تأكد، لم تبدأ كمشروع صحفي لا تجاري ولا غير ربحي، بل بدأت من عمق التجربة الإنسانية في أقصى حدودها، وأقسى اختباراتها، تتلقى (تأكد) منحاً من منظمات دولية تعنى بدعم الصحفيين والمؤسسات والمشاريع الإعلامية التي تعقد مع منصة (تأكد) شراكات بموجب عقود قانونية وتتابع عملية صرف الأموال والرواتب التي تُمنح لها بموجب تقارير دورية وعمليات تدقيق خارجية من أطراف مستقلة.
بذرة تأكد الأولى كانت في آذار / مارس عام 2011، من موقع إخباري اسمه "شو الأخبار" تحوّل إلى تغطية حقيقة ما يحدث في سوريا، بأسماء موظفيه الصريحة، ردّاً على ما كانت تروج له وسائل الإعلام السّورية الرسمية، وكان الثمن اعتقال رئيس تحرير الموقع، ونسف المخابرات السوريّة محتواه بالكامل، حينها قبضنا على جوهرة وجمرة.
سُقيت البذرة، بالدمع والقهر، وأول مرة تشق البذرة طريقها إلى لتعانق الضوء والهواء كانت في العاشر من يناير عام 2014، من خلال منشور جرى فيه الرد على دعاية مُضللة لتنظيم داعش، وتوضيح هوية أحد ضحايا تنظيم داعش، كان سجيناً جنباً إلى جنب مع مؤسس المنصة الصحفي السوري أحمد بريمو، والذي حُكم بالإعدام وفرّ ناجياً تزامنا مع عملية طرد تنظيم داعش من حلب.
بعد ذلك المنشور، تعززت أهمية ومسؤولية التثبت من الحقائق انتصاراً لدماء وعذابات حُرّاس الحقيقة الذين قُتلوا في سجون تنظيم داعش، ونظام بشار الأسد، وغيرهما من أعداء الحقيقة.
وفي البدء كانت الكلمة، وتأكد بدأت بكلمة تتكرر مع كل معلومة ترد، وهنا صار للزرع شكلاً ثم أينع، بإمكانيات فردية، انطلق المشروع مطلع عام 2016 كصفحة في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، باسم "منصة تأكد".
الإيمان بهذا الحلم، والعمل والتعلم، إخلاصا واحتراما، شكل كل ذلك الدرب الأثير لتصير تأكد شجرة باسقة، وانطلق الموقع في مارس آذار عام 2016، وكان الدرب لا شك وعراً لأن هذا المجال الصحفي كان جديداً بل وغريبا، يثير استهجانا تارة، وغضبا واستعداء كلما صححت لهذا الطرف أو ذاك.
انطلقنا في سماوات العمل الحر، بكل استقلالية وقوة، راكمنا الخبرات، وتعلمنا من السابقين، وزرعنا العالم نبحث لنتطور، من أوروبا إلى كندا، ومن إسطنبول إلى تونس، وشيئا فشيئا كتبنا أبجدية عملنا، وصارت لنا أرضية متينة، تمثلت في معايير وسياسات لا ننفك العمل على تطويرها وإنضاجها، وأخيراً صهرنا النظري بالعملي، وصارت المنهجية هي واجهة موقعنا الجديد، لتنمو "تأكد" وتصير شجرة سرو، نسعى أن تبقى خضراء، ما التزمنا بالمبادئ والقيم والأهداف النبيلة، وكانت هذه نافذتنا إلى انطلاقة جديدة متجددة في الأول من مارس / آذار عام 2021.
هل اكتفينا؟ ما سبق يقول لا، ونضيف، هل يعرف الحالِم حدوداً؟
حين تساءل المفكر إدوار سعيد: إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة؟ أين تطير العصافير بعد السماء الأخيرة؟
ونجيب: نوجدُ حدوداً جديدة، وسماء جديدة، فلا يعرف الحالِم حدوداً، ولن نكتفي.
© جميع الحقوق محفوظة 2024 - طُور بواسطة نماء للحلول البرمجية