ميرا جلال ثابات.. قصة حب تتحول إلى قضية رأي عام حول سبي الفتيات

رافي برازي
calendar_month
نشر: 2025-05-09 , 5:31 م
edit
تعديل: 2025-05-09 , 5:56 م

تداولت صفحات على موقع فيسبوك يوم 27 نيسان/ أبريل 2025 ادعاءً يزعم اختفاء طالبة تُدعى "ميرا جلال ثابات" أثناء توجهها إلى معهد إعداد المدرسين في مدينة حمص، لتقديم امتحان. ووفق ما نُشر، فإن الفتاة خرجت من منزلها عند الساعة 12 ظهراً، وانقطع الاتصال بها بعد دخولها مبنى المعهد، دون ورود أي تأكيد رسمي بشأن مصيرها حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

 

وأرفق مع الادعاء صور محادثات منسوبة لمديرة الشؤون في المعهد، يُزعم أنها جرت قبل ساعات من اختفائها. وتُظهر المحادثات تواصلًا بشأن جدول الامتحانات وصعوبات تواجهها الطالبة، بالإضافة إلى تطمينات وتسهيلات مقترحة من الموظفة لمساعدتها على إنهاء الفصل الدراسي مقابل حضورها.

وقد لقي الادعاء انتشارًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، وتفاعلًا من مستخدمين أبدوا قلقهم وشاركوا المنشور بهدف المساعدة في العثور على الفتاة، بينما ذهب بعضهم إلى تبنّي تفسيرات غير مؤكدة حول ملابسات الاختفاء.

ظهور ميرا بشكل مختلف.. وبيان الشرطة لا يُقنع المنتقدين

بعد ساعات من تداول منشورات تدّعي اختفاء طالبة في مدينة حمص، ظهرت تطورات جديدة مدعومة بصور أظهرت الفتاة نفسها وهي ترتدي جلبابًا أزرق وتجلس إلى جانب رجال شرطة ومسؤولين في أحد المنازل. الصور التي التُقطت لاحقًا داخل منزل والدها، أظهرت ملامح توتر وارتباك على وجه الفتاة، ما عزز من أهمية التحقق الرسمي من خلفية القصة المتداولة.

في هذا السياق، أصدرت شرطة منطقة تلكلخ بيانًا توضيحيًا نفت فيه ما جرى تداوله عن "اختفاء قسري" للفتاة، مؤكدة أن ما جرى كان نتيجة ظروف شخصية. ووفق ما ورد في البيان، فإن الفتاة غادرت منزل عائلتها طوعًا دون علمهم، متوجهة إلى منزل شاب تعرفه تربطها به علاقة عاطفية. وبحسب الشرطة، فقد توجهت إليه وهي ترتدي اللباس الشرعي، وأبلغته بنيتها عدم العودة إلى منزلها، مطالبة إياه بالزواج أو أنها ستختفي.

عائلة الشاب أبلغت الجهات المختصة بعد حضور الفتاة بشكل مفاجئ، وجرى التواصل مع والدها رسميًا. على إثر ذلك، حضر والد الفتاة برفقة محامٍ إلى قسم الشرطة، وعُقد قرانها بشكل قانوني بعد موافقة الطرفين، لتعود بعدها إلى منزل العائلة برفقة زوجها، وبحضور دوريات من شرطة الحميدية وتلكلخ.

وأشار البيان إلى أن الفتاة كانت في حالة توتر وقلق من ردة فعل أسرتها، لكن والدها أبدى تعاونًا وتفهمًا، وأُنهيت القضية ضمن الأطر القانونية.

ورغم صدور البيان الرسمي عن شرطة منطقة تلكلخ، الذي قدّم تفاصيل واضحة بشأن ما جرى مع الفتاة ميرا جلال ثابات، إلا أن هذه الرواية لم تلقَ قبولاً لدى شريحة واسعة من المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي. فقد عبّر كثيرون عن شكوكهم إزاء مجريات القصة، مشيرين إلى أن مظهر الفتاة في الصور المتداولة – حيث ظهرت مرتدية جلبابًا واسعًا وتجلس بصمت وبملامح توتر واضحة – لا يعكس صورة شخص أقدم على خطوة شخصية بكامل إرادته، بل بدا في نظرهم أقرب إلى مشهد احتجاز أو ضغط أمني لتصوير المشاهد.

ادعاءات باختفاء قسري وزواج بالإكراه و"بيع كسبية"

وتداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي عدة ادعاءات تتعارض مع الرواية الرسمية التي أصدرتها شرطة منطقة تلكلخ. ووفق ما نُشر من مزاعم، فإن الشابة ميرا جلال ثابات دخلت إلى معهد إعداد المدرسين في حمص بتاريخ 27 نيسان/ أبريل 2025، بعد تلقيها اتصالًا من موظفة في المعهد، لتقديم امتحان تحت طائلة التهديد بالفصل. وزعمت الادعاءات أن والدها أوصلها بنفسه وبقي بانتظارها أمام الباب، لكنها لم تغادر المعهد لاحقًا، فيما أُشير إلى احتمال وجود تنسيق داخلي ساهم في اختفائها.

 

و تضمّنت الادعاءات تسجيلاً صوتياً منسوباً لوالد الفتاة، يزعم فيه أن الاتصال جرى عن طريق إحدى المعلمات، وأن ابنته لم تكن تنوي الهرب. وأشار التسجيل الصوتي أن والدها اعتقل قبل يوم من ظهور ابنته برفقة الشاب الذي قيل إنه تزوجها. في السياق ذاته، أوضح مقربون من العائلة على حد وصفهم أن الفتاة كانت مخطوبة لشاب آخر يعمل في لبنان، وأن ما جرى لا يمكن تفسيره كزواج "رضائي" تم خلال أقل من 48 ساعة.

 

وبرز ادعاء آخر، يزعم أن الفتاة تعرّضت للاختطاف والإجبار على ارتداء النقاب وعقد قرانها قسرًا من قبل أحد أمراء هيئة تحرير الشام، ويزعم أن عودتها إلى أهلها جرت تحت حراسة مشددة، حيث أن الفتاة "بيعت كسبية" داخل سوق نخاسة بمدينة إدلب بمبلغ 5000 دولار، وجرى تداول صورة لشاب قيل إنه "المشتري" إلى جانب رابط لحسابه الشخصي على فيسبوك، ما أثار تفاعلاً واسعًا وغضبًا شعبيًا على المنصات.

مقابلة تثير جدلًا واسعًا واتهامات بـ"تسويق رواية مُعدة سلفًا"

وأجرى مراسل الإخبارية السورية أمير عبد الباقي مقابلة مصورة مع الشابة ميرا جلال ثابات وزوجها بشكل مستقل، نُشرت عبر منصة فيسبوك، بهدف تقديم ما وصفه بـ"التوضيح الكامل" لملابسات القصة التي أثارت جدلًا واسعًا. ووفق ما ورد في المقابلة، أكدت ميرا أنها خرجت بمحض إرادتها برفقة شاب يُدعى أحمد، تربطها به علاقة منذ أكثر من عامين، مشيرة إلى أن معارضة أهلها لهذه العلاقة دفعها لاتخاذ قرار الزواج دون موافقتهم. كما أوضح عبد الباقي أن أحمد شاب مدني، لا ينتمي لأي جهة عسكرية أو أمنية، ويقيم في إدلب بعد أن تهجّر من حمص.

غير أن المقابلة أثارت موجة انتقادات حادة، واعتبرها بعض المنتقدين محاولة لتبرير ما وُصف بأنه اختطاف ومسرحية منظمة أشرك بها صديقه الذي ظهر معه في وقت سابق بأحد المظاهرات في مدينة حمص، وهاجم منتقدون الصحفي أمير عبد الباقي متهمينه بـ"تسويق سردية مُعدة سلفًا"، تخدم أهدافًا سياسية تتعلق بتقديم صورة محسّنة للواقع الأمني، وتهيئة خطاب موجّه للجهات الدولية.

تضامن وتغطية إعلامية واسعة تقابلها مواقف داعمة للرواية الرسمية

أثارت قضية الشابة ميرا جلال ثابات تفاعلًا واسعًا تجاوز وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أبدت شخصيات فنية وإعلامية تضامنها مع الفتاة، كالفنانة السورية يارا صبري، التي عبّرت عن قلقها حيال الملابسات الغامضة المرتبطة باختفائها وظهورها اللاحق، ودعت إلى التحقيق الشفاف ومحاسبة كل من يثبت تورطه في أي شكل من أشكال الإكراه. كما نشرت وسائل إعلام دولية، من بينها وكالة "فرانس 24"، تقارير إخبارية تناولت القضية، واستعرضت الروايات المتضاربة التي أحاطت بها، مع الإشارة إلى الزاوية الطائفية التي تبنّاها البعض في سرد القصة.

 

في المقابل، دافع عدد من المؤثرين والإعلاميين عن الرواية الرسمية، مؤكدين أن ما جرى هو "زواج طبيعي" بين شخصين بالغين، تم ضمن الإجراءات القانونية المتبعة، مشيرين إلى أن القضية استُغلت لأغراض تحريضية وسياسية. واعتبر هؤلاء أن الحملة المثارة حول ميرا تعكس توظيفًا إعلاميًا مبالغًا فيه لقضية السبي، ومحاولة لتشويه صورة الوضع الأمني والاجتماعي في سوريا.

 ميرا تنفي تعرضها للاختطاف وتؤكد زواجها برضاها

في بث مباشر أجراه صحفي مستقل عبر فيسبوك، نفت الشابة السورية ميرا جلال ثابات ما أُشيع عن تعرّضها للاختطاف أو الزواج القسري، مؤكدة أن قرار زواجها تم بإرادتها الكاملة من شاب تعرفت إليه قبل أكثر من عامين، ونشأت بينهما علاقة عاطفية قوبلت برفض من العائلتين بسبب اختلاف الطائفة، ما دفعهما – بحسب قولها – إلى اتخاذ قرار الارتباط بعيدًا عن ضغوط الأسرة.

وخلال المقابلة، أوضح الزوجان أن ارتباطهما سبق التغييرات السياسية الأخيرة في البلاد، وأنهما لم يتعرضا لأي ضغط من جهات أمنية أو فصائل مسلحة. يأتي ذلك بعد موجة من المنشورات التي ربطت قصة ميرا بسياق أوسع من الادعاءات التي تتهم فصائل متشددة في الشمال السوري بتنفيذ عمليات "سبي" بحق نساء من طوائف محددة.

وظهر في المقابلة أن ميرا كانت بحالة ارتياح نفسي، وبدت مبتسمة خلال فترات من الحوار، فيما فُسّر التوتر الذي ظهر عليها سابقًا بأنه ناتج عن اشتياقها لشقيقها الصغير، ونتيجة الخلاف الذي حصل مع والدتها التي عبّرت عن غضبها في بداية اللقاء بعد الاختفاء. وأكدت ميرا أن ما جرى كان قرارًا شخصيًا، وأن روايات الاختطاف لا تعكس حقيقة ما حدث.

وقد ساهم ظهورها بلباس غير معتاد في تعزيز تصورات نمطية استُخدمت لترويج روايات غير مثبتة حول طبيعة ما جرى. وبينما اعتُمدت قصتها من قبل بعض الحسابات كدليل ضمن خطاب تعبوي، لم تظهر حتى الآن أي أدلة موثوقة تدعم تلك الادعاءات أو تؤكد صحة الاتهامات المتداولة.

بيان المجلس الإسلامي العلوي الأعلى حول الحادثة

وأصدر المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر بيانًا بتاريخ 8 أيار/ مايو 2025، حذّر فيه من ما وصفه بـ"عمليات اختطاف ممنهجة" تستهدف النساء العلويات في مناطق الساحل وحمص ودمشق. وأشار البيان إلى أن هذه الانتهاكات تُرتكب على يد فصائل مسلحة خارجة عن القانون، وغالبًا ما تتم في أماكن عامة وتعليمية، مع اتهامات مباشرة لبعض أجهزة الأمن، وعلى رأسها "الأمن العام"، بالتواطؤ أو التستر، من خلال الضغط على ذوي الضحايا لإجبارهم على تبنّي روايات غير حقيقية.

وركّز البيان على حادثة الشابة ميرا جلال ثابات باعتبارها نموذجًا متكررًا، حيث أفاد بأنها اختُطفت من معهد إعداد المدرسين في تلكلخ، قبل أن تعود لاحقًا إلى عائلتها مرتدية النقاب، بعد "زواج قسري" من أحد عناصر هيئة تحرير الشام، حسب ما ورد في النص. كما أشار إلى أن والدها اعتُقل بعد محاولته تقديم شكوى رسمية، ما اعتُبر دليلاً على تواطؤ رسمي. وطالب المجلس المجتمع الدولي باتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين، ومحاسبة المتورطين، وتفعيل آليات حماية خاصة بالنساء في بيئات النزاع، بما يشمل إخراج المقاتلين الأجانب وتطبيق الحماية اللامركزية في مناطق الساحل.

 

تضليل

المحتوى الذي يتضمن مزيجاً من الحقائق والأكاذيب.

لماذا تأكد؟!

منصة تأكد منصة مستقلة وغير متحيزة متخصصة بالتحقق من الأخبار والمعلومات تأسست في سوريا أوائل عام 2016 لمواجهة انتشار المعلومات المضللة.

معتمدة من:

certified

دليل التحقق

certified

شاركنا لنتأكد

© جميع الحقوق محفوظة لمنصّة تأكّد 2025