تستمر حرائق غابات اللاذقية لليوم السابع على التوالي، رغم الجهود المكثفة التي تبذلها فرق الإطفاء التابعة للدفاع المدني السوري، بمشاركة فرق من تركيا والأردن ولبنان، في محاولة للسيطرة على النيران.
وأثارت هذه الحرائق موجة من التساؤلات حول احتمال أن تكون مفتعلة، خاصة بعد إعلان تنظيم "سرايا أنصار السنة" في 5 تموز/ يوليو الجاري، تبنّى فيه المسؤولية عن إشعال حرائق غابات القسطل.
كما تداولت صفحات ومواقع محلية بيانًا منسوبًا إلى "لواء درع الساحل" الذي يضم عناصر سابقين في قوات النظام المخلوع، تضمن التلميح لمسؤوليته عن الحرائق.
وازدادت الشكوك مع انتشار مقطع مصور يُظهر كتابات وصفت بالتحريضية على جدران أحد المواقع بمنطقة الحرائق، حيث كُتب: "لهم حرية التعبير ولنا حرية التدمير"، وقد اطّلع عليها وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح خلال مرافقته لفرق الإطفاء.
انتشر كذلك يوم الاثنين 7 تموز/ يوليو مقطع مصور يُظهر إطلاق نار في ساعات الليل بينما كانت النيران مشتعلة في المنطقة، وزُعم أن المستهدفين هم أشخاص يُشتبه في مسؤوليتهم عن إشعال الحرائق، دون التوصل إلى معلومات مؤكدة عن الحادثة المزعومة.
كشف معاون وزير الطوارئ وإدارة الكوارث، أحمد قزير، عن وجود مؤشرات تدفع للاعتقاد بأن الحرائق التي تشهدها غابات اللاذقية قد تكون مفتعلة، لكنه أكد في الوقت ذاته أن الوزارة لا تملك أدلة قاطعة على ذلك، مشيرًا إلى أن مسؤولية التحقيق في هذا النوع من القضايا تقع على عاتق وزارة الداخلية، التي تواكب أعمال الدفاع المدني وتقدم له الدعم خلال عمليات الإخماد.
وفي تصريح أدلى به لمنصة (تأكد)، أوضح قزير أن اندلاع الحرائق في عدة بؤر متفرقة، واتساع نطاقها، يثير احتمال أن تكون هناك جهة متورطة في إشعالها، لكنه شدد على أن وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث لا تملك الأدوات ولا الصلاحيات اللازمة لإجراء تحقيقات جنائية، مشيرًا إلى أن ذلك "ليس من ضمن مسؤولياتها".
وأشار إلى أن وجود كتابات تحريضية على جدران بعض المواقع هو أمر حقيقي، لكن ربطها بالحرائق الجارية ليس من اختصاص الوزارة، بل يعود إلى الجهات الأمنية والقضائية، في حين تقتصر مهام وزارة الطوارئ على الاستجابة الميدانية والتحليل العلمي.
وأضاف قزير أن توقيت الحرائق هذا العام يُعد مبكرًا مقارنة بالأعوام السابقة، إذ غالبًا ما تبدأ حرائق الغابات في شهري آب/ أغسطس أو أيلول/ سبتمبر، أما في هذا العام فقد بدأت في تموز/ يوليو، رغم أن درجات الحرارة لم تكن في ذروتها، وهو ما يدعم فرضية الفعل المتعمد.
كما لفت إلى أن الجفاف القاسي الذي ضرب سوريا خلال عام 2025، إضافة إلى سرعة الرياح، ساهما بشكل كبير في اتساع رقعة الحرائق، موضحًا أن بعض البؤر التي جرى تبريدها قد تعاود الاشتعال بفعل الظروف البيئية الصعبة.
أجرى وزير الداخلية السورية أنس خطاب مقابلة مع قناة "الإخبارية السورية" من موقع الحرائق يوم الثلاثاء 7 تموز/ يوليو، وأشار إلى أن التعامل مع الشكوك حول تورط بعض الأشخاص في إشعال الحرائق يتطلب أدلة واضحة وتوثيقًا دقيقًا.
وقال خطاب، في رده على سؤال حول المقاطع المصورة المتداولة التي تشير إلى احتمال أن تكون الحرائق مفتعلة:
"بصراحة، المساحات شاسعة جداً، وحتى لو كان هناك شكوك حول تورط بعض الأشخاص، فإن الأمر يحتاج إلى أدلة وتوثيق. نحن اليوم سنبدأ عمليات استطلاع موسعة بأفكار جديدة، بعد أن سمعنا بعض المعلومات من الميدان، وإن شاء الله خلال الساعات القادمة، إذا كان هناك متورطون في هذا الموضوع، سيتم إلقاء القبض عليهم."
قال الصحفي المختص بالقضايا البيئية، زاهر هاشم، إن اشتعال الحرائق يتطلب ثلاثة عناصر أساسية: مصدر للنار، ووقود، ووجود الأوكسجين، في حين يتحدد انتشارها بثلاثة عوامل أخرى هي: نوع الوقود، وحالة الطقس، وطبيعة التضاريس.
وأكد في تصريح لمنصة (تأكد) أن الطقس يلعب دورًا كبيرًا في مدى انتشار الحرائق، مضيفا أن التغيرات المناخية خلال السنوات الأخيرة جعلت المناطق ذات المناخ المتوسطي المعتدل أكثر عرضة للجفاف والحرائق.
وبيّن أن الأعشاب اليابسة والأوراق الجافة تشكل وقودًا أساسياً لهذه الحرائق، خصوصًا في ظل ارتفاع درجات الحرارة وطول فترات الجفاف، لافتًا إلى أن اشتعال النيران قد يكون ناتجًا عن أسباب طبيعية مثل البرق، أو أسباب بشرية سواء بسبب الإهمال أو الحوادث العرضية أو الافتعال المتعمد.
وعدّد هاشم الأسباب البشرية، ومنها: إشعال المتنزهين النار، أو رمي أعقاب السجائر، أو الشرر الناتج عن الأسلاك ومحطات الكهرباء القريبة من الغابات، إضافة إلى الحرائق الزراعية، وشرر الآليات والمركبات، أو افتعال الحرائق عمدًا للاستفادة من الأراضي والموارد.
وأكد أن الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض الرطوبة، والرياح القوية كلها عوامل تزيد من سرعة انتشار النيران وشدتها، كما أن التضاريس المعقدة والنتوءات الجبلية تخلق رياحًا عكسية، وتساهم في تسارع التيارات الهوائية في الوديان والمناطق المنحدرة، مما يفاقم الحريق.
وفي السياق السوري، لفت هاشم إلى أن مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة التي خلّفها نظام الأسد ساهمت في تفاقم الكارثة، إذ تُعيق تلك المخلفات وصول فرق الإطفاء وتُهدد سلامتهم أثناء محاولة الوصول إلى مناطق الحريق.
تُظهر مطالعة الخريطة التابعة لنظام مراقبة الحرائق FIRMS التابع لوكالة ناسا، أن حرائق الغابات ليست حدثًا استثنائيًا، إذ تُسجّل حالياً مئات الحرائق النشطة حول العالم، ما يعكس اتساع الظاهرة عالميًا في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.
المحتوى الذي لا يملك مقومات كافية لتأكيده ولا لنفيه وتصنيفه ضمن أي نوع من أنواع التقييمات.