ادعت حسابات في فيسبوك و إكس أن المتحف الوطني بدمشق شهد خلال الأيام الماضية عملية تفريغ كاملة لمحتوياته الأثرية، شملت القطع خفيفة الوزن العائدة لحضارات عريقة مثل تدمر، والرومان، والبيزنطيين، إلى جانب لوحات نادرة لفنانين سوريين بارزين مثل فاتح المدرس وجلال محمود، وذلك بتاريخ 8 تموز/ يوليو 2025.
وزعمت هذه الحسابات أن عملية التفريغ جرت بصورة ممنهجة، وترافقت مع تحويل المتحف إلى ما وصفته بـ"منصة دعائية"، إذ زُيّنت جدرانه بصور عبد الباسط الساروت ومجسمات وشعارات مرتبطة بالثورة السورية، في خطوة تهدف -بحسب ما ادعت- إلى طمس الذاكرة الحضارية لسوريا واستبدالها برموز سياسية حديثة. كما زعمت أن إدارة المتحف منحت أغلب موظفيها إجازات قسرية لمنع تسريب ما جرى، وسط غياب أي تصريح رسمي من الجهات المعنية، وأن كل هذه التفاصيل سرّبها مصدر من داخل المتحف.
وحاز الادعاء على انتشار واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، تجدون عينة من الحسابات المساهمة بانتشاره ضمن قائمة "مصادر الادعاء".
المحتوى الذي يتعارض بالكامل مع حقائق مثبتة وجرى تأليفه بالكامل ولا أساس له من الصحة.
تحقّق فريق منصة (تأكد) من صحة الادعاء بأن أُفرغ من محتوياته الأثرية وحُوّل إلى منصة دعائية لرموز الثورة السورية، وتبيّن أن الادعاء كاذب.
إذ أجرى مراسل (تأكد) في دمشق تحققاً ميدانياً داخل المتحف يوم الأربعاء 9 تموز/يوليو 2025، وتبيّن أن جميع القطع الأثرية، بما فيها التحف الصغيرة والقطع الكبيرة، ما زالت محفوظة في أماكنها دون تغيير، ولم يُرصد أي نشاط يشير إلى نقل المقتنيات أو إفراغ القاعات. كما لاحظ المراسل وجود الكادر الوظيفي كاملاً في المتحف، يمارس مهامه المعتادة، بما في ذلك أعمال الترميم الدورية المنفّذة على عدد من المعروضات.
أما بما يتعلق بتحويل المتحف إلى منصة دعائية، فقد تبيّن أن الادعاء لا أساس له من الصحة، إذ لم يلحظ المراسل وجود أي صور لعبد الباسط الساروت أو مجسمات أو شعارات ترمز للثورة السورية في أي من أقسام المتحف، في حين يُقام حالياً في بهو المتحف معرض مؤقت يضم لوحات فنية تعبّر عن قضية المعتقلين، دون أن يؤثر ذلك على أقسام العرض الأثري أو الفني الدائم. كذلك، تبيّن أن ساحة المتحف الخارجية خالية تماماً من أي مظاهر تشير إلى تغيير في وظيفة المكان أو توظيفه سياسياً، كما أن الشكل المبنى الخارجي ما يزال محافظًا على طابعه الأصلي دون إضافات أو شعارات.
يُعدّ المتحف الوطني بدمشق من أقدم وأهم المؤسسات الثقافية في سوريا والمنطقة، افتُتح رسمياً عام 1950 وتجاوز عدد مقتنياته 300 ألف قطعة أثرية، تغطي مراحل تاريخية تمتد من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الحديث، بما في ذلك آثار تدمر، وماري، وأوغاريت، والبيزنطيين، والكنائس السورية المبكرة، بالإضافة إلى قاعة مخصصة للفن الحديث. كما يضم المتحف واجهة قصر الحير الغربي الأموية، وتُعدّ من أبرز معالمه المعمارية. وشهد المتحف عمليات توسعة وترميم متعددة، بالتعاون مع منظمات دولية، من بينها اليونسكو ومتحف اللوفر.
ويُذكر أن وزير الثقافة السوري محمد ياسين صالح كرّم عدداً من حراس المتحف الوطني تقديراً لدورهم في حماية المقتنيات الأثرية عقب سقوط النظام المخلوع في كانون الأول/ ديسمبر 2024، إذ حالوا دون محاولات نهب محتملة. وشمل التكريم أيضاً كوادر المتحف الذين شاركوا في افتتاح معرض فني مؤقت يوثّق معاناة المعتقلين، دون المساس بالأقسام الدائمة للمتحف. وأكد الوزير في تصريح رسمي أهمية الحفاظ على الذاكرة التاريخية لسوريا، واعتبر أن حماية التراث تمثّل ركيزة أساسية في بناء الدولة الجديدة.