مثّل وضع الفلسطينيين في سوريا حالة قانونية استثنائية منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث ضمنت لهم التشريعات حقوقاً مدنية مماثلة للسوريين، باستثناء الحقوق السياسية. غير أن تقارير حديثة عن تعديلات في السجلات المدنية، طالت صفة "فلسطيني سوري" واستبدلتها بـ"فلسطيني مقيم"، أعادت الجدل حول مستقبل هذا الوضع، رغم وصف الأمر بأنه خلل تقني.
وثائق وشهادات تؤكد تعديل صفة الفلسطينيين
نشرت صحيفة "زمان الوصل" الإلكترونية تحقيقاً استند إلى مصدر خاص ووثائق رسمية، كشفت فيه أن دوائر النفوس في سوريا بدأت بإصدار أوراق رسمية تتضمن تعديلات جوهرية على السجلات المدنية الخاصة بالفلسطينيين السوريين. وبحسب التقرير، تم شطب صفة "فلسطيني سوري" التي كانت تُعتمد منذ عقود، واستُبدلت بعبارة "فلسطيني مقيم". كما شمل التعديل خانة "المحافظة" التي كانت تشير سابقاً إلى أماكن مثل دمشق أو حلب أو درعا، حيث تم استبدالها بكلمة "أجنبي"، ما يعني شطب الانتماء الجغرافي من قيود المواليد.
وذكرت الصحيفة أنها اطلعت على إخراج قيد عائلي حديث لأفراد تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عاماً، جرى فيه تعديل الجنسية من "فلسطيني سوري" إلى "فلسطيني مقيم"، وتدوين "أجنبي" في خانة المحافظة، في خطوة تُظهر أن هذا الإجراء سيُطبق بأثر رجعي، و يشمل شريحة واسعة من الفلسطينيين المقيمين في سوريا.
ونشر الصحفي الفلسطيني السوري محمد صفية تسجيلاً مصوراً عبر صفحته على فيسبوك "شتات نيوز"، أكد فيه وقوع التعديلات المذكورة، مشيراً إلى أنه عند توجه ابنه لتسجيل حفيده الأول في دائرة النفوس، فوجئ بأن قيد حفيده ادرج تحت خانة "الأجانب"، وأن صفة "فلسطيني سوري" لم تعد موجودة في السجلات. وعبّر عن استيائه من هذا التغيير المفاجئ، قائلاً إن "حالتنا في سوريا تغيرت بجرة قلم"، في إشارة إلى ما اعتبره إلغاءً لخصوصية الوضع القانوني للفلسطينيين المقيمين في سوريا.
وفي هذا السياق، وردت شهادات من طلاب فلسطينيين في سوريا تفيد بأنهم فوجئوا، أثناء محاولتهم التسجيل في برامج الدراسات العليا أو في اختصاصات طبية، وكذلك عند التقدّم للانتساب إلى النقابات، بإبلاغهم أنهم يُعاملون كطلاب أجانب، رغم ولادتهم في سوريا وحيازتهم للوثائق الرسمية الفلسطينية السورية. وطُلب منهم دفع الرسوم المفروضة على الطلاب العرب والأجانب، خلافاً لما اعتادوا عليه من إعفاء ومعاملة مماثلة للطلاب السوريين. وطرح هذا التغيير تساؤلات لديهم حول ما إذا كانت هذه الحالات فردية أم تمهّد لتحول إداري أوسع في التعامل مع الفلسطينيين في مؤسسات التعليم والقطاعات المهنية.
هذا التطور أثار جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تفاعل المستخدمون مع الخبر من زوايا مختلفة، وتداولوه بصيغ متعددة، من بينها من اعتبره مؤشراً على إعادة تعريف الوضع القانوني للفلسطينيين في سوريا، بما يطال جوازات السفر، وحقوق الإقامة. وانتشر التحقيق عبر وسائل إعلامية و على موقعي فيسبوك وإكس، وسط تساؤلات حول حقيقة القرار وخلفياته، واحتمال ارتباطه بتحوّلات سياسية أو أمنية جارية في البلاد.
المحتوى الذي يتضمن معلومات خاطئة شرط أن لا تؤثر على المحتوى بالكامل.
و بعد ساعات على ما أثير بشأن التعديلات في السجلات المدنية للفلسطينيين السوريين، نفى تلفزيون سوريا، نقلًا عن مصادر حكومية، صحة هذه المزاعم، وأوضحت أن ما جرى هو "خطأ غير مقصود" سجل في إحدى دوائر النفوس، وجرت معالجته فوراً، واصفةً الحادثة بأنها ناجمة عن "خلل تقني".
وفي السياق ذاته، فسر المحامي والناشط الفلسطيني السوري غياث دبور عبر القناة نفسها، أن ما جرى لا يمثل تغييراً في الوضع القانوني للفلسطينيين السوريين، بل يعود إلى "إشكال تقني فني" ناتج عن توحيد سجلات النفوس في محافظة إدلب مع المنظومة الوطنية لبقية المحافظات، بعد أن كانت هذه السجلات مفصولة زمن النظام السابق. وأوضح دبور أن بعض الفلسطينيين كانوا يُسجّلون ضمن دائرة "المهاجرين" بدل "اللاجئين"، مما أدى إلى ظهور صفة "فلسطيني مقيم" بدلاً من "فلسطيني سوري"، مشددًا على أن الأمر لا يحتمل التأويل أو التسييس، وأن الجهود تُبذل لإعادة تصحيح هذه الحالة في أقرب وقت.
من جانبه، نفى مكتب المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، في تصريح خاص لمنصة "تأكّد"، وجود أي تعديل رسمي على الوضع القانوني للفلسطينيين السوريين، مؤكداً أن الوزارة لم تصدر أي قرار يغيّر هذا الوضع. وأوضح أن الفلسطينيين في سوريا لا يزالون يُعاملون معاملة من هم في حكم المواطن السوري، ويتمتعون بكافة الامتيازات والحقوق المدنية التي أقرّها لهم القانون.
يحظى الفلسطينيون المقيمون في سوريا بوضع قانوني خاص منذ صدور القانون رقم 260 لعام 1956، الذي نصّ على معاملتهم "كمن في حكم المواطن السوري" في معظم المجالات المدنية. وبموجب هذا القانون، يتمتع الفلسطينيون بحقوق متساوية مع السوريين في العمل، والتوظيف، والخدمة الوطنية، والتعليم في جميع مراحله بما في ذلك التعليم الجامعي والدراسات العليا، إضافة إلى الاستفادة من الخدمات الصحية والاجتماعية. كما يُسمح لهم بمزاولة المهن الحرة والانضمام إلى النقابات المهنية كالمهندسين والأطباء والمحامين، دون أن تُفرض عليهم اشتراطات إضافية تتعلق بالجنسية، مع استثناء وحيد يتمثل في حرمانهم من الحقوق السياسية، مثل الانتخاب والترشح للمناصب العامة.
و صدر القرار رقم 1311 لعام 1963، الذي منح اللاجئين الفلسطينيين وثائق سفر رسمية تُعرف باسم "وثيقة لاجئ فلسطيني"، تتيح لهم حرية التنقل والسفر والعودة، دون الحاجة للحصول على تأشيرات من السلطات السورية. وساهم هذا الإطار التشريعي في تثبيت حالة من الاستقرار القانوني للفلسطينيين داخل سوريا، مكّنهم من المشاركة الفاعلة في المجتمع على مدى عقود. ومع ذلك، برزت في السنوات الأخيرة من حكم عائلة الأسد بعض الإجراءات الإدارية الجزئية التي عاملت الفلسطينيين باعتبارهم "أجانب" في ملفات محددة، كالتملّك العقاري، ما أثار مخاوف من إمكانية تقويض الوضع القانوني المميز الذي كفلته التشريعات السورية منذ منتصف القرن الماضي.