اعتقال نساء في حلب عقب مظاهرة تطالب بإطلاق سراح مع...
الأحد 22 كانون أول - مؤكد
أحمد بريمو الاثنين 01 شباط 2021
منصة تأكد، لم تكن في يوم من الأيام مشروعاً صحفياً مجرداً، بل كانت ولا زالت كائنا من حلم ودم، انبثقت من صرخة رافضة للتزييف الذي ابتُلي به كل شيء في بلدي، الدولة والحكم، الوطن والمواطنة، الأحزاب والمجتمع، المسؤول و أحيانا بائع بسطة الخضار، التزييف الذي خنق وطناً وشعباً، هدفه البعيد كان ولا يزال تفريغ الكائن البشري من انسانيته وتحويله إلى أداة تسكت عن الخراب والقمع.
منذ البداية الأولى وإرهاصات الفكرة عام ٢٠١٦، مروراً بإنشاء أول موقع، ثم تطويره مرة ثانية بعد عامين، كنا ولا نزال نحرص على إيجاد تلك الوصفة السحرية الجامعة بين "الشغف" و "الاحتراف" وكنا نحرث أرضا مجهولة بالنسبة لنا، لأن التحقق من المعلومات فن جديد زادت دهاليزه كلما اتسع فضاء التواصل الاجتماعي، وزادت طوفانات الأخبار المزيفة، بحسن نية أو سوء نية، بتسرع فردي حالم وأحيانا ساذج، أو بتوجيه ممنهج من أنظمة وحكومات، ورثة تركة "جوزيف غوبلز"، ذراع هتلر الإعلامي، صاحب مقولة: اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس.
وعليه حرصنا في منصة تأكد على استيعاب أحدث ما وصل إليه هذا الفن الصحفي، ولم نوفر منهاجا لم نطلع عليه، أو درسا لم نتأمله، وشرقنا وغربنا، من البوسنة إلى كندا، نطلع على تجارب مماثلة، لكن كانت بوصلتنا الأولى والرئيسية، هي تجربتنا، ننظر إليها بعين الناقد، نقلبها يمينا وشمالا، ونسعى إلى انضاجها، احتراما لفكرة أن منصة تأكد، أول منصة سوريّة للتحقق من المعلومات.
تراكم التجربة قادنا إلى مرحلة مفصلية وهي ليست إلا بداية جديدة لا نهاية الطريق، عملنا على نحت هذه التجربة لتؤول إلى "منهجية" واضحة بسيطة، شاملة محكمة، رصينة متقنة، ولا ندّعي الكمال، بل كان لا بد من بداية نعود مجدداً إلى رصد سلبياتها فنتجاوزها، ونبني على الإيجابيات.
وُضعت منهجية يتكئ عليها عملنا، مدعمة بسياسات متكاملة تشمل جوانب التحرير والتصحيح والشكاوي، ونعمل على مسرد يعزز مصطلحاتنا الصحفية، اللغوية والتحريرية.
فكرة الانطلاقة الجديدة بُنيت على أن انتشال المنهجية من رفوف المعلومات النظرية التي تُوضع من باب سد الذرائع، وأن تتحول هذه المنهجية إلى نهج عملي، وعليه ارتأينا أن ضرورة أن تكون منهجيتنا هي واجهتنا، وعليه صُمم الموقع.
ربما يستغرب متابعنا المصطلحات والمسميات، الأقسام والتصنيفات، وهذه مغامرة كان لا بد منها، تقوم على جرأة تعميم ما يجب تعميمه، فالأخبار الكاذبة لم يعد يتسق معها تصنيف واحد، وهي ليست بذات سوية السوء والخطورة، وعليه دُرست التصنيفات، و ُضعت بعد تمحيص في خطورتها وتبعاتها، في ثلاث تصنيفات رئيسية، هي الاحتيال والعبث والإرباك، وأعطي لها ألوان دلالية، الأحمر ثم البرتقالي ثم الأصفر تبعا لدرجة خطورتها.
توسيع مشاركة المتابع لعملنا يندرج في إطار إحدى ثوابتنا القائمة على أن تعميم ثقافة التحقق هي مسؤولية جماعية، وعليه صُممت برامجنا التدريبية، لتستوعب أكبر قد ممكن لا من الصحفيين فقط، بل من العاملين في مجالات وتخصصات تضررت من كم المعلومات المتداولة المُضللة.
وانطلاقا من المعيار ذاته، أي المسؤولية الجماعية، عمدت منصة تأكد إلى تصميم خوارزمية تعمل على تصنيف المصادر التي تبث المعلومات المُضللة، وتضعها أيضا في قوائم تبعا لخطورتها، ونعتقد أن هذه مسؤولية كل المؤسسات المعنية بالتحقق من المعلومات، لا نمارس هنا دوراً أبوياً نوزع فيه شهادات حسن السلوك، بل نعتمد على معلومات إحصائية تضع هذا المصدر أو ذاك في خانة هو من يريدها لا نحن، أي أننا في منصة تأكد أكبر أحلامنا أن لا نضطر يوما إلى التحقق من شيء، وأن تعم المصداقية ومعايير التحقق العالية، لأن الإعلام هدفه الرئيس التأثير الإيجابي والتنوير، لا التضليل ونشر العماء.
إن هذه الانطلاقة تُعد ولادة رابعة تُمهد لولادات لاحقة، كلما تراكمت الخبرة، إلا أن "ملح المنصة" الأول والأخير هو "استقلاليتنا"، وهذه الاستقلالية غيابها يحول حتى التحقق من المعلومات إلى تضليل أكثر بؤسا من التضليل الذي نعرف، وعليه فإننا نحرص على هذه الاستقلالية كما لو أن وجودنا مرتبط به، رغم الثمن الكارثي المدفوع في المقابل، فالاستقلالية دمها مستباح في منطقتنا المفخخة بكل أشكال التخندق والاصطفاف، ولعل في السؤال "لماذا تأكد" حين طرحناه على أنفسنا خير بيان وقد أجبنا وبها ننتهي آملين منكم تزويدنا بآرائكم ومقترحاتكم :
الالتزام ببث الحقائق كاملة والاستقلالية التامة صنوان، ووجهان لعملة واحدة هي الحرية. وهذه هي عملتنا في تأكد، لا نتعامل بسواها. الاستقلالية التامة قاتلة، معنوياً على الأغلب ومادية أحياناً، في ظل الاصطفاف العربي الحاد والقتّال، الذي ظلل عالمنا بفضاء غاضب مخضب بالدماء، والصراعات، والكراهية، والتخوين، والتقتيل. فضاء انحدر وحطّ على الأرض فصار حقل ألغام، وعملنا ليس إلا كمن يحرث هذا الحقل حرثاً. النجاة في كل هذا هي التعويل على قوة الحقيقة بذاتها والساعين إليها ولو كانوا قلة.
© جميع الحقوق محفوظة 2024 - طُور بواسطة نماء للحلول البرمجية