بريق منى واصف يخفي عتمة منظمة تحتال باسم الأمم المتحدة

فريق التحرير
calendar_month
نشر: 2025-09-03 , 4:50 م
edit
تعديل: 2025-09-04 , 5:42 م

خلال احتفال ثقافي أُقيم في جامعة دمشق، جرى تكريم الفنانة منى واصف ومنحها لقب "سفيرة السلام في العالم" من قبل ما يُعرف بـ المنظمة العالمية لحقوق الإنسان، وسط حضور رسمي تقدّمته وزيرة الشؤون الاجتماعية هند قبوات، التي شاركت المكرَّمة لحظة مؤثرة لاقت صدى واسعًا في وسائل الإعلام. وقدّم المشهد على نطاق واسع باعتباره يحمل طابعًا أمميًا، غير أن التحقق من خلفية الجهة المانحة يُظهر أنها لا تتمتع بأي صفة رسمية لدى الأمم المتحدة، وأنها ليست مدرجة ضمن سجلات المنظمات المعترف بها دوليًا، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول طبيعة هذه التكريمات، وكيفية توظيف المسميات الأممية في فعاليات محلية تمنحها طابعًا أكبر من حجمها الفعلي.

مشهد التكريم وصناعة الانطباع الأممي

في مطلع أيلول/سبتمبر، شهدت قاعة جامعة دمشق فعالية بعنوان "سورية الأمل"، خُصصت فيها فقرة لتكريم الفنانة منى واصف، التي مُنحت خلالها لقب "سفيرة السلام في العالم" من قبل ما عُرِّف بـ المنظمة العالمية لحقوق الإنسان. ورافق الحدث حضور رسمي وشخصيات ثقافية، كان أبرزهم وزيرة الشؤون الاجتماعية هند قبوات، التي بدت متأثرة وهي تكرّم الفنانة في لحظة وثّقتها الكاميرات وانتشرت سريعًا عبر وسائل الإعلام.

 

التغطيات الصحفية قدّمت التكريم بوصفه اعترافًا أمميًا بمسيرة منى واصف الفنية والإنسانية، واستُخدمت عبارات مثل "سفيرة السلام في العالم لدى الأمم المتحدة" في بعض المنابر، ما عزّز الانطباع لدى المتابعين بأن الحفل يحمل صفة دولية رسمية. هذا الإيحاء لم يقتصر على التغطية الإعلامية، بل ترسّخ من خلال حضور مسؤول حكومي رفيع، لتتشكل صورة جماهيرية عن تكريم صادر من مؤسسة أممية، بينما خلفية الجهة المانحة تكشف واقعًا مختلفًا تمامًا.

تضليل

المحتوى الذي يتضمن مزيجاً من الحقائق والأكاذيب.

هوية المنظمة وخلفيتها

تُقدَّم "المنظمة العالمية لحقوق الإنسان" في الخطاب الإعلامي بوصفها جهة أممية مانحة للألقاب والصفات، غير أن مراجعة السجلات الرسمية تكشف واقعًا مختلفًا. فهذه المنظمة لا تظهر في قاعدة بيانات المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (إيكوسوك) الخاصة بالمنظمات غير الحكومية المعتمدة كما تدعي على موقعها، كما أنها غائبة عن منصات التوثيق الحقوقي الدولية مثل إن.جي.أو مونيتور. كذلك، لا يرد لها أي حضور في وثائق مكتبة الأمم المتحدة الرقمية أو في قوائم المنظمات المشاركة في مجلس حقوق الإنسان، ما يؤكد أنها ليست جزءًا من المنظومة الأممية المعترف بها.


موقع منظمة العالمية لحقوق الانسان

البحث باسم المنظمة ضمن الاسماء المنظمات الغير حكومية المعترف بها من قبل الامم المتحدة

وإلى جانب منى واصف، حصل العديد من الشخصيات على ألقاب مشابهة مثل "سفير السلام" أو "المفوّض"، لكن ليس عبر مبادرات أممية أو اعتراف دولي، بل من خلال نظام العضويات والانتسابات الذي تمنحه هذه الجهة. هذا الطابع الرمزي يضع التكريم في خانة الفعاليات المحلية لا القرارات الدولية. وقد تأكد ذلك عبر نفي رسمي وصلنا من المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، والتي أوضحت بشكل صريح أن مكتبها وكذلك منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف لا يعملان مع هذه الجهة ولا يرتبطان بها.


تقديم جائزة صانع السلام العالمي من قبل المنظمة لشخصية غير معروفة

السفير علي خليل: الواجهة الرسمية

أظهر البحث أن الشخصية المحورية وراء هذه المنظمة هو علي عقيل خليل، لبناني الجنسية يقدّم نفسه بصفة "السفير" والمؤسس لما يُسمّى بالمنظمة العالمية لحقوق الإنسان. خليل اعتاد الظهور عبر صور وبطاقات رسمية المظهر، من بينها بطاقة تبدو كأنها صادرة عن الأمم المتحدة لكنها في الواقع مرتبطة بعضوية في UNA سريلانكا، إلى جانب حمله جواز سفر عالمي صادر عن منظمة WSA وعضوية سفير ضمن هذه المنظمة.


هوية عضوية علي عقيل خليل عن جمعية الامم المتحدة في سريلانكا

ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ يحرص خليل على نشر صور تجمعه بشخصيات عالمية ودولية بارزة في موقعه وصفحاته الرسمية، بما يضفي عليه مظهرًا من المصداقية والصفة الرسمية. غير أن التحقيق أثبت أن هذه المظاهر لا تعدو كونها أدوات دعائية، وأن لا صلة لها بأي اعتراف قانوني أو أممي حقيقي. وعلي خليل ليس مدرج ضمن المنظمات المعتمدة في سجلات الأمم المتحدة أو الكتاب الأزرق الخاص بالدبلوماسيين والسفراء ضمن المنظمة، ولا يحمل أي تفويض رسمي يمكن أن يبرر الألقاب التي يوزّعها أو الصفة التي يقدّم بها نفسه.


عدم وجود لاي ذكر في اسمه ضمن سجلات الامم المتحدة

السفير المزعوم أمام القضاء

تشير تقارير إعلامية في مواقع لبنانية إلى أنّ علي عقيل خليل واجه اتهامات خطيرة عام 2011 بعد أن أوقفته مفرزة الضاحية الجنوبية القضائية بناءً لإشارة القاضي سامي صادر، على خلفية شكوى تقدّم بها الممثل آلان الزغبي عبر وكيله القانوني. وقد شملت التهم الموجّهة إليه انتحال صفة، وتزوير، وتقليد أختام، واحتيال، إضافة إلى القدح والذم. وفي موازاة هذه الملاحقة، ورد اسمه في وثيقة قدّمتها إحدى المنظمات غير الحكومية إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته التاسعة عشرة (A/HRC/19/NGO/4)، حيث جرى توصيف محاكمته كـ «اعتداء على المدافعين عن حقوق الإنسان» بسبب نشره صورًا عن التعذيب في سجن رومية، وهو إدراج جاء في سياق مذكرة NGO وليس بقرار رسمي من الأمم المتحدة.


وثيقة قدّمتها إحدى المنظمات غير الحكومية إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته التاسعة عشرة

على الجانب الآخر، كشفت قناة الجديد في تحقيق استقصائي مطوّل طبيعة نشاط خليل من خلال شهادات لأشخاص وقعوا ضحايا عمليات نصب واحتيال استندت إلى وثائق وشهادات مُصمّمة بمظهر أممي وألقاب دبلوماسية مزعومة. وأظهر التحقيق كيف روّج خليل لنفسه باستخدام جواز السفر العالمي الصادر عن منظمة WSA وصور مع شخصيات دولية لإضفاء صفة رسمية غير موجودة، فيما أكّدت ردود أممية أنّ منظمته لا ترتبط بأي شكل بالأمم المتحدة. وخلص التقرير إلى أنّ توزيع تلك الوثائق والعضويات أوقع العديد من الأفراد في شراك وعود كاذبة، رسّخت صورة عن "صفة أممية" لم تكن يومًا حقيقية.


صوره مع قادة دوليين كالرئيس الايراني الاسبق محمد ختامي

بطاقة الانتساب وقصة “الصفة الأممية”

اعتمد علي عقيل خليل في ترويج صورته كسفير أممي على بطاقة صادرة عن جمعية الأمم المتحدة في سريلانكا، حيث يظهر اسمه بوضوح على موقعها الرسمي كـ "عضو خاص مدى الحياة". مثل هذا الظهور يمنح في الظاهر هالة من المصداقية، خاصة أمام جمهور غير متمرس في قراءة تفاصيل المنظمات الدولية، إذ يوحي بارتباط مباشر مع الأمم المتحدة نفسها. وقد ساعد هذا الانطباع على تكريس صورة خليل كشخصية ذات نفوذ حقوقي ودولي، تُقدَّم في المناسبات على أنها تملك صفة رسمية.

ورود اسمه في سجلات الجمعية كعضو خاص مدى الحياة

غير أن التدقيق في طبيعة هذه العضوية يكشف حقيقة مختلفة تمامًا. فالبحث أظهر أن العضوية في جمعية الأمم المتحدة في سريلانكا متاحة لأي شخص، مقابل رسوم مالية محددة: 25 ألف روبية سريلانكية للمواطنين المحليين أو ألف دولار أمريكي لغير السريلانكيين. هذه العضوية لا تتجاوز كونها بطاقة انتساب رمزية، لا تمنح أي امتيازات دبلوماسية ولا اعترافًا أمميًا، ولا تُخول حاملها تمثيل الأمم المتحدة أو الحديث باسمها. بل إن الاتحاد العالمي لجمعيات الأمم المتحدة، وهو المظلة الجامعة لهذه الكيانات، يوضح بجلاء أن هذه الجمعيات مستقلة عن الأمم المتحدة، وأن عضويتها لا تكسب صاحبها أي صفة رسمية.


رسم الحصول على العضوية وميزاتها

جواز السفر العالمي والارتباط بالـ WSA

يستند علي عقيل خليل في ترسيخ صورته كصاحب صفة أممية إلى ارتباطه المعلن مع السلطة العالمية للخدمات (WSA)، حيث يظهر اسمه وصورته على الموقع الرسمي لهذه المنظمة كأحد سفرائها. هذا الظهور الرقمي يمنحه في الظاهر هالة من المصداقية، خصوصًا لدى من يجهل طبيعة المنظمة، ويُستخدم لإقناع الجمهور بأنه يمتلك اعترافًا دوليًا عبر وثائق مثل الجواز العالمي الذي تصدره WSA. ويقدَّم هذا الجواز في الخطاب الدعائي كوثيقة سفر أممية، بينما الحقيقة أنه مجرد مستند رمزي لا يحمل أي قيمة قانونية، وقد ساهم إدراجه على موقع المنظمة في تعزيز الوهم بأن خليل يرتبط بمؤسسة دولية راسخة.


جواز السفر العالمي الخاص به التابع لمنظمة WSA
ورود اسمه كسفير على موقع المنظمة

لكن الواقع يُظهر أن WSA كيان مثير للجدل أسسه الناشط الأميركي جاري ديفيس في خمسينيات القرن الماضي تحت شعار "المواطنة العالمية".

الوثائق التي تصدرها، وفي مقدمتها الجواز العالمي، مصنفة رسميًا من قبل منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) ضمن فئة الوثائق الخيالية، أي أنها لا تُعترف بها في أنظمة السفر الدولية.

إضافة إلى ذلك، واجهت المنظمة قضايا قانونية متكررة، أبرزها محاكمة مؤسسها في فرنسا عام 1974 بتهمة بيع جوازات مزورة، وتوثيق حالات احتيال في الصين وماليزيا نتيجة استخدام الجواز العالمي. ورغم ادعاءات القبول المحدود لهذه الوثائق في بعض الدول، فإن جهات رسمية مثل وزارة الخارجية الأميركية وإدارة الضمان الاجتماعي شددت على أنها لا تحمل أي صفة قانونية.

وهكذا، فإن ارتباط خليل بالـ WSA لا يمنحه شرعية أممية، بل يضعه في إطار منظمة عُرفت تاريخيًا بإصدار أوراق رمزية تستغل في تضليل الأفراد وإيهامهم بامتيازات غير موجودة.

القبض على مؤسس المنظمة في فرنسا بتهمة التزوير
القبض على شخص نيجيري في ماليزيا بسبب جواز السفر

 تمجيد النظام المخلوع

تُظهر الصفحات الرسمية للمنظمة التي يقودها علي عقيل خليل تركيزًا لافتًا على نشر مواد مرتبطة بالنظام المخلوع، إذ أعادت مرارًا نشر صور لبشار الأسد وزوجته أسماء في مناسبات اجتماعية وثقافية ودينية، مرفقة بتعليقات تُشيد بهما وتصفهما برموز للصمود والسلام. كما نشرت الصفحة صورًا من الأرشيف، بينها صورة تعود إلى عام 1973 يظهر فيها حافظ الأسد أثناء استقباله وفدًا أجنبيًا، وقدمتها ضمن محتوى يوحي بتاريخ "نضالي" متصل بجذور النظام.

الأكثر وضوحًا هو إبراز صور شخصية تجمع علي عقيل خليل ببشار الأسد في لقاءات مباشرة، حيث جرى نشرها على صفحات المنظمة للتأكيد على قربه من دوائر السلطة. هذا الاستخدام للصور ترافق مع نصوص احتفائية بالنظام المخلوع، ما جعل منصة خليل الحقوقية المزعومة أداة لتلميع صورته الشخصية عبر إظهار علاقته الوثيقة بالحكم. وبذلك، بدت المنظمة في محتواها أقرب إلى منبر دعائي يعيد إنتاج خطاب التمجيد، أكثر منها مؤسسة حقوقية مستقلة ذات ارتباط حقيقي بالمنظومة الدولية.

صورة تجمع ممثل المنظمة مع بشار الاسد 

شرعية مزيفة بواجهة حقوقية

المنظمة التي منحت لقب "سفيرة السلام" لا وجود لها في سجلات الأمم المتحدة، وتعتمد في نشاطها على عضويات مدفوعة الثمن وبطاقات انتساب رمزية، فيما يقدّم مؤسسها علي عقيل خليل نفسه كسفير أممي مستخدمًا جوازات خيالية صادرة عن الـ WSA، رغم سجله القضائي في لبنان حيث واجه تهمًا بالانتحال والتزوير والاحتيال. و نشره صور تمجّد النظام المخلوع، وإبراز لقاءات شخصية بين خليل وبشار الأسد، ولكن تكريم منى واصف بحضور وزيرة الشؤون الاجتماعية هند قبوات، عزز محاولة اكتساب شرعية من خلال رموز وطنية ومسؤولين حكوميين.

خطر هذه الممارسات لا يقتصر على تضليل الرأي العام، بل يكمن في قدرة كيانات وهمية على اختراق المشهد العام وإعادة تدوير نفوذ شخصيات فاسدة و مرتبطة بالنظام المخلوع تحت غطاء "حقوقي" و"أممي". استخدام الألقاب، والبطاقات، والصور الرمزية يمنح هذه الكيانات مساحة للتأثير والتغلغل، في وقت تحتاج فيه المرحلة الجديدة إلى مؤسسات شفافة وموثوقة تعكس مسار العدالة والشرعية الدولية، لا إلى واجهات دعائية توظّف العاطفة والرمزية لخدمة أجندات مشبوهة.

تحقيق متوازٍ والنتيجة واحدة

بينما كان فريق "تأكد" يعمل على جمع المعلومات والتحقيق حول المنظمة التي كرمت الفنانة منى واصف، نشر موقع إذاعة روزنة المحلية تحقيقا استقصائيا حمل عنوان "انتحال صفة وخداع للجمهور.. عن نشاط احتيالي باسم الأمم المتحدة بحضور الوزيرة قبوات ولقب متخيل لمنى واصف برعاية مؤسستها!" بين أنّ المدعو يحيى الجميل الذي قدم في حفل تكريم منى واصف على أنه المفوض بأعمال المنظمة في سوريا. لا يملك أي مؤهلات أو سجل مهني واضح يبرر هذه الصفة، ما جعله واحدًا من الأسماء التي تُستعمل لإضفاء مظهر رسمي على أنشطة المنظمة التي يقودها علي عقيل خليل.

كما أوضح التحقيق أن الحفل لم يقتصر على هذه المنظمة، بل شاركت فيه جهات وُصفت بأنها منظمات دولية وحقوقية، لكن التدقيق أظهر أنها جمعيات أهلية أو كيانات غير حكومية لا تحمل أي اعتراف أممي.

 

لماذا تأكد؟!

منصة تأكد منصة مستقلة وغير متحيزة متخصصة بالتحقق من الأخبار والمعلومات تأسست في سوريا أوائل عام 2016 لمواجهة انتشار المعلومات المضللة.

معتمدة من:

certified

دليل التحقق

certified

شاركنا لنتأكد

© جميع الحقوق محفوظة لمنصّة تأكّد 2025