هل لفقت CNN قصة "تحرير معتقل سوري من سجن سري"؟
الأحد 15 كانون أول - احتيال
عبد السلام الحموي الأحد 15 كانون أول 2024
الادعاء
نشرت قناة CNN عبر موقعها الإلكتروني، وعبر منصة "يوتيوب" و"إكس" بتاريخ 12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، تقريرًا مصورًا بعنوان "مراسلة CNN توثق لحظة صادمة للعثور على معتقل محتجز بسجن سري في سوريا يجهل خبر الإطاحة بالأسد" يظهر فيه موفدة القناة "كلاريسا وارد" رفقة شخص يحمل السلاح وهم يفتحون إحدى الزنازين في أحد سجون دمشق، يظهر في التقرير رجل يُدعى "عادل غربال" من مدينة حمص والذي حسب قوله أنّه اُعتقل من منزله قبل ثلاثة أشهر لتفتيش هاتفه واقتادوه إلى دمشق بدايةً في سجن لم يسميه، قبل أن يتم نقله حيث شاهدناه حتى لحظة الوصول إليه، أي بعد مرور ثلاث ليالٍ على سقوط نظام الأسد.
الرجل الذي كان مُختبأً تحت بطانيته -رغم صوت الرصاص- الذي أطلقه الرجل المسلّح لفتح قفل زنزانته، ادّعى انّه لم يرَ الضوء منذ ثلاثة أشهر، لكن ردّة فعل عينيه تجاه الضوء لم توحي بذلك، حيث أنّه لم يرمش حتى عندما نظر الى السماء مُبتهجًا بضوء الحرية التي حصل عليها.
وعلى غرار المعاملة السيئة التي يحظى بها المعتقلون في السجون السرية، بدت ملابسه نظيفة، وشعره مرتّب، وحالته الجسدية جيدة، دون كدمات أو آثار تعذيب، كل ذلك لا يعكس حال شخصٍ سُجن في زنزانة بمفرده في الظلام لمدة 90 يومًا.
كلاريسا التي كانت وفقًا -لسبب تواجدها في دمشق- تبحث عن أيّ أثرٍ للصحافي الأميركي أوستن تايس، لم تُقنع مشاهدي التقرير حول سبب خلو السجن من المعتقلين، وتواجد المدعو "عادل غربال" وحيدًا، الذي كان يرتجف خوفًا تارةً ويهدئ بشكل طبيعي تارةً أخرى.
بحث فريق منصة "تأكد" في السجلات الرسمية المتوفرة عن اسم "عادل غربال" للتحقق من سبب ومدّة اعتقاله، دون العثور على نتائج.
غربال الذي أشار أنّه من مدينة حِمص، وأكّد ذلك من لهجته التي تحدث بها، دفعنا للسؤال عنه في المدينة، إذ تبيّن لفريق "تأكد" أنّ اسمه الحقيقي سلامة محمد سلامة، لكن المفاجأة أنّه صف ضابط برتبة مساعد أول في فرع المخابرات الجوية - أحد أسوأ الأفرع الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد المخلوع في سوريا- ، ويتواجد غالبًا في حيّ "البياضة" أحد أكبر أحياء مدينة حِمص وتحديدًا في شارع الزبير عند المدخل الغربي للحي على رأس حاجز أمنيّ سيء السُمعة، وفق أهالي الحي.
سلامة، المعروف أيضًا بـ "أبو حمزة" وهو اسمه الأكثر شهرة، كان مسؤولًا عن عدّة حواجز أمنية في حِمص، ولهُ باعٌ طويل في السرقة وفرض الأتاوات والتحكم في أرزاق الأهالي، وتجنيد المخبرين قسرًا لجمع المعلومات لصالحه، إذ اتّضح أنّه سُجن منذ فترة قليلة لا تتجاوز الشهر بسبب خلافه على نسبة توزيع الأرباح من الأموال التي يجمعها عنوةّ من المدنيين، مع رجل آخر أعلى منه رتبةً في الجيش، الأمر الذي أودى به إلى احدى الزنزانات في دمشق، بحسب تصريح أهالي الحي.
الصوت (١) أحد أهالي حي البياضة، رفض ذكر اسمه.
وخلافًا لملامحه البريئة الهادئة التي أظهرها على وجهه، فإن سلامة، شارك في عمليات عسكرية على عدة جبهات في المدينة عام 2014، وقَتَلَ من المدنيين، كذلك فهو مسؤول عن تعذيب واعتقال الكثير من شباب المدينة، بدون تهم، وبتهمٍ باطلة في حال رفضوا دفع الأموال أو العمل لصالحه، أو لمجرد أنّه لم يرتاح لوجوه البعض، وفق شهادات أهالي الشهداء وناجين من المُعتقل تواصل معهم فريق "تأكد".
يتعذر فريق منصة "تأكد" عن إرفاق التسجيلات الصوتية للمعتقلين، وأهالي الشهداء نزولًا عند رغبتهم المتمثلة بالحفاظ على أمنهم وأمن أُسرهم الشخصي.
الصوت (٢) أحد أهالي حي البياضة، رفض ذكر اسمه.
علاوةً على تاريخه الفظيع، فإن سلامة يعمل منذ وصوله إلى حمص بعد سقوط النظام -وفق شهادات أهالي الحي- على استجداء عطفهم واقناعهم أنّه كان مُجبرًا على كل ما قام به من قتل وترويع وبلطجة، كذلك علم فريق منصة "تأكد" أنّ أبو حمزة عطّل حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وقام بتغيير رقم هاتفه المحمول، في محاولةِ منه لإخفاء أيّ وثائق تدل على حمله السلاح والتورط بجرائم حرب.
هنا يحق لنا كسوريين أولاً وصحفيين ثانياً أن نسأل: هل تعمدت الشبكة العريقة تضليل جمهورها لصالح تبييض سمعة "أبو حمزة"، أم أنها وقعت في فخ التضليل، وإن كان كذلك ما الذي دفعها للوقوع في هذا الفخ في وقت نجح السوريون بإثبات ما عجز عن اثباته العالم أجمع من جرائم وانتهاكات تمارس بحقهم منذ عقود طويلة؟
© جميع الحقوق محفوظة 2024 - طُور بواسطة نماء للحلول البرمجية