حرائق الغابات: كارثة متكررة تتفاقم كل عام وتهدد الغطاء النباتي في سوريا

صباح الخطيب
calendar_month
نشر: 2025-07-11 , 12:32 م
edit
تعديل: 2025-07-12 , 3:52 م

الادعاء

تشهد محافظة اللاذقية منذ أيام حرائق غابات هائلة اجتاحت مساحات شاسعة تقدر بنحو 14 ألف هكتار من الأحراج والأراضي الزراعية، امتدت إلى جبل البدروسية، مهددة منازل المدنيين ومحمية الفرنلق التي تعد إحدى أكبر الغابات الطبيعية في سوريا. في حين تواصل فرق الإطفاء في الدفاع المدني السوري وأفواج الإطفاء وفرق الإطفاء التركية والأردنية بدعم جوي من 16 طائرة سورية وتركية وأردنية ولبنانية، أعمالها في إخماد الحرائق الحراجية الضخمة. 

ومع تداول اتهامات لفلول النظام بافتعال الحرائق، نفى وزير الداخلية أنس خطاب، في 8 تموز/يوليو الجاري، أن تكون الحرائق المشتعلة بفعل فاعل، مؤكداً أنه لا دليل على أن هذه الحرائق مفتعلة. وأكدت وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث السورية أن الفرق تواجه صعوبات وتحديات كبيرة تحد من قدرتها على السيطرة على الحرائق، في ظل حركة الرياح النشطة، وتضاريس المنطقة الجبلية شديدة الوعورة، وانفجار مخلفات الحرب.

نظرية المؤامرة

المحتوى الذي يحرص على تضمين خططا خفية لمؤامرة ما ويقوم بالبناء على هذا الأساس بما يدعم توجها ما أو استنتاجا ما، دون أدلة أو قرائن واضحة ومثبتة.

دحض الادعاء

خلال الفترة الماضية سجلت سوريا ارتفاعاً خطيراً في معدل اندلاع حرائق الغابات والأحراش. وصرح وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح، في مطلع شهر تموز/يوليو الجاري، أن عدد الحرائق بلغ منذ بداية نيسان/أبريل وحتى نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي، 4000 حريقاً في عموم سوريا.

حرائق الغابات في سوريا خلال السنوات الماضية

تتكرر الحرائق الموسمية في دول المتوسط مثل سوريا وتركيا واليونان في كل عام، وتبلغ ذروتها بين الصيف والخريف بفعل الرياح الجافة وارتفاع الحرارة. في سوريا، تبدأ هذه الحرائق عادة في حزيران/يونيو وتستمر حتى آب/أغسطس، وتتركز في محافظات اللاذقية وطرطوس وحلب. 

حرائق الغابات السورية خلال الأعوام الستة السابقة

بين عامي 2019 و2024، اندلع حوالي 11 ألف حريق غابات في سوريا تركزت في المناطق الساحلية والزراعية.

في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2024، وثق تقرير صادر عن الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء سابقاً) عمليات إخماد الحرائق في مناطق شمال غربي سوريا خلال السنوات الأربع السابقة، حيث استجاب متطوعو الدفاع المدني إلى ما يزيد عن 9,256 حريقاً طال 633 قرية خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/يناير 2021 حتى حزيران/يونيو 2024. 

أشار التقرير إلى إخماد 2,213 حريقاً في 398 قرية خلال النصف الأول من عام 2024، و1,375 حريقاً في 304 قرى خلال النصف الأول من عام 2023، و1,003 حرائق في 253 قرية خلال الفترة ذاتها من عام 2022، و1,223 حريقاً في 286 قرية خلال النصف الأول من عام 2021.

وقد سُجّل في عام 2024 ارتفاع غير مسبوق في عدد الحرائق، حيث تم تسجيل 1,190 حريقاً في شهر حزيران فقط.

أما في المناطق التي كان الخاضعة لسيطرة النظام السوري، فقد أعلنت وزارة الزراعة في حكومة النظام في 3 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عن اندلاع 2,158 حريق خلال السنوات الخمس السابقة، أحرقت ما مجموعه 162,653 دونماً من الأراضي.

وفي تفاصيل نشرها تقرير خاص لموقع "أثر برس"، فقد بلغ عدد الحرائق الحراجية في عام 2019 نحو 627 حريقاً أتت على 16,123 دونماً، وفي عام 2020 سجلت 621 حريقاً أحرقت 132,772 دونماً. وفي عام 2021 بلغ عدد الحرائق 439 حريقاً التهمت 9,107 دونمات، أما عام 2022 فشهد 197 حريقاً أحرقت 1,816 دونماً، وفي عام 2023 سجلت 274 حريقاً أتت على 2,835 دونماً.

وبين عامي 2010 و2018، التهمت حرائق الغابات أكثر من ربع مساحة غابات سوريا، حيث سُجلت أكثر من 2000 حادثة حريق، طالت مساحة تزيد على 100 ألف هكتار في الساحل السوري.

تأثير الحرائق على فقدان الغابات في اللاذقية (2000-2020)

كشف تقرير لمرصد الصراع والبيئة (CEOBS) عن فقدان الغابات في سوريا 3505 هكتارات في عام 2020، بزيادة قدرها 159% على عام 2019، ما يعني أن ما يقارب 20% من غابات سوريا قد فقدت منذ عام 2000، وتعتبر بؤر الحرائق على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من اللاذقية وطرطوس، وهي موطن لأكثر من ثلاثة أرباع مناطق الغابات في البلاد.

وأكد التقرير أنه بين عامي 2010 و2020 فُقد ما يقرب من ربع الغابات الساحلية، وسط انخفاض كبير في كثافة الغابات. في المقابل، كانت هناك زيادة في المناطق الزراعية والصحراوية. وتسارع معدل فقدان الغابات في السنوات الأخيرة بسبب الزحف السكني، وزيادة بنسبة 20% في نشاط الحرائق. 

وذكر التقرير أن عام 2020 شهد ارتفاعًا غير طبيعي في حرق المحاصيل، فقد شهدت اللاذقية وطرطوس زيادة ملحوظة - حوالي 250% - لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في سجلات الأقمار الصناعية. ووقع معظم نشاط الحرائق هذا في شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، حيث كانت آثار الحرائق وفقدان الغابات واضحة من الفضاء. كما تسببت الحرائق في معاناة إنسانية وأضرار بالبنية التحتية الحيوية. وعلى الرغم من أن الظروف المناخية هي التي تسببت في خطر الحرائق، أُفيد بأن شرارة بعض الحرائق كانت بسبب القصف، بينما اعتقد السكان أن البعض الآخر كان "مُدبرًا".

تعكس هذه الأرقام مجتمعة حجم التحدي الذي تواجهه سوريا على صعيد إدارة الكوارث الطبيعية في ظل واقع سياسي واقتصادي هش، ما يتطلب استجابة مؤسساتية أكثر فعالية في مجالات الوقاية، والتأهب، ودعم المناطق المتضررة.

التغطية الإعلامية الرسمية بين الماضي والحاضر

اعتاد الإعلام الرسمي السوري في عهد النظام السابق، التعامل مع هذه الكوارث بمنطق التهوين والتضليل وغياب الشفافية. إذ غالبًا ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) ومختلف الوسائل الموالية للسلطة أخبار الحرائق بصيغة ترويجية تتحدث عن "السيطرة" و"جهود جبارة" من فرق الإطفاء والدفاع المدني، مع إغفال كامل لأسباب نشوب الحرائق أو القصور في منع انتشارها. ونادرًا ما تُنشر أرقام دقيقة عن المساحات المحترقة، وغالبًا ما تكون متناقضة أو متأخرة، فيما تغيب التحقيقات الجادة حول الإهمال الإداري أو الفساد أو دور السلطات المحلية في إضعاف حماية الغابات.

في عام 2020 وحده تسببت الحرائق في القضاء على ما يزيد عن 9 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية والغابات، مما ألحق الضرر بحوالى 140 ألف إنسان، الأمر الذي لم تعترف فيه السلطات السابقة أو تنقله وسائل الإعلام الموالية. في نفس العام، صرّحت حكومة النظام عن تعويضات للمتضررين، لكنها لم تُصرف بالكامل، وسرعان ما تمّ طيّ الملف، كما في غيره من الكوارث.

كما تم تغييب صوت الأهالي المتضررين وشكاواهم ومطالبهم بالتعويض والمحاسبة، رغم وضوح حجم الضرر. ولم تتناول القنوات الرسمية أو الصحف الموالية أي متابعة جدية بعد انحسار النيران، فلا تحقيقات صحفية ولا تقييم للخسائر ولا رقابة على آلية التعويض، ما عكس دور الإعلام كأداة تبرير وتجميل لا كسلطة رقابة ومساءلة.  

أما في عهد الحكومة الانتقالية، فبدأت تغطية حرائق الغابات في وسائل الإعلام الرسمية السورية –مثل وكالة سانا—منذ اللحظة الاولى بشكل واضح وتفصيلي حول حجم الحرائق والخسائر التي تتسبب بها، مع توضيح الأسباب خلف صعوبة السيطرة عليها وإطفائها. كم اتسمت التغطية الإعلامية الرسمية في المرحلة الانتقالية بشموليتها ونقل تحديثات مستمرة حول المواقع المتضررة وحالة الحرائق ومدى السيطرة عليها، بالإضافة لنقل مؤتمرات صحفية لوزير الطوارئ والكوارث ومدير الدفاع المدني من الميدان وتغطية جهود العاملين والمتطوعين ونفل معاناة المتضررين بشكل مباشر.

لماذا تأكد؟!

منصة تأكد منصة مستقلة وغير متحيزة متخصصة بالتحقق من الأخبار والمعلومات تأسست في سوريا أوائل عام 2016 لمواجهة انتشار المعلومات المضللة.

معتمدة من:

certified

دليل التحقق

certified

شاركنا لنتأكد

© جميع الحقوق محفوظة لمنصّة تأكّد 2025