ما حقيقة إسقاط طائرة هليكوبتر إسرائيلية في منطقة ...
السبت 23 تشرين ثاني - احتيال
تداولت مواقع وصفحات إخبارية وحسابات شخصية مؤخراً، خبراً يتحدث عن تحقيق طفلة سورية إنجازاً عالمياً في "المسابقة العالمية للحساب الذهني"، رغم أن الطفلة السوريّة أثبتت فعلا تفوقها في هذا المجال، إلا أن المسابقة أجرتها شركة صينية مغمورة وربحية، والجائزة الكبرى أعطتها لـ 286 مشاركاً.
أحمد بريمو الأحد 13 كانون أول 2020
تداولت مواقع وصفحات إخبارية وحسابات شخصية مؤخراً، خبراً تناول حصد طفلة سورية "جائزة عالمية" في عمليات الحساب الذهني، في مسابقة جرت "أون لاين" نظمتها منظمة صينية، وبمشاركة أكثر من ستة آلاف طالب وطالبة من دول عدة بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ودول أخرى عربية وأجنبية.
وفي قائمة المصادر أدناه تجدون عيّنة عن الجهات التي تداولت الخبر والذي حقق انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين.
منصة تأكد تبارك للطفلة السوريّة (سارة الكيالي) هذه الحفاوة المُستحقة في مواقع التواصل الاجتماعي مع الإشارة إلى رصدنا لفيديوهات تؤكد قدرات (الكيالي) في عمليات الحساب الذهني. إلا أن استفسارات وردت إلى منصة تأكد تتعلق بالجائزة نفسها، والجهة المنظمة وأهميتها، واحتراما لهذه الاستفسارات أجرينا التحقيق التالي وفق منهجية التحقق المعتمدة في المنصة.
الخطوات المتبعة في إعداد تقريرنا
أولاً- البحث المتقدم في (غوغل):
البداية كانت من محرك البحث (غوغل) الذي لجأنا إليه بحثا عن كلمات مفتاحية محددة وهي (مسابقة الحساب الذهني، Brainy Kids، ACIDA) وكلمات أخرى مقتبسة من الأخبار التي جرى تداولها في سياق الموضوع، مستخدمين آلية البحث المتقدم التي يوفرها (غوغل)، ولم تظهر النتائج أية معلومات إضافية غير تلك التي نقلتها المواقع المذكورة في قائمة المصادر أدناه، إذ لم نجد أثراً للشركة المنظمة ولا الجائزة نفسها في أي محتوى جرى بثه من وسائل إعلام مُعتبرة في أي من الدول التي قيل بأن طلابا منها شاركوا في المسابقة.
وتعزيزا للنتيجة السابقة في إطار بحثنا الموسع أشركنا أشخاصا مقيمين في بعض البلدان ويتقنون لغتها قيل أن طلابا شاركوا منها في المسابقة مثل (بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الصين).
قام المشاركون في البحث بوسائل الإعلام المحلية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وكانت نتيجة البحث بالإجماع هي عدم وجود أي أثر أو نتيجة لهذه المسابقة لا سيما في وسائل الإعلام الصينية.
ثانيا- البحث في (فيسبوك):
باستخدام الكلمات المفتاحية ذاتها، أجرى فريق منصة (تأكد) بحثاً على موقع (فيسبوك)، فظهرت العديد من النتائج التي نُشرت خلال الأيام الماضية على صفحات تابعة لشركات ومنظمات تعليمية تعنى بتطوير مهارات الحساب الذهني لدى الأطفال وكان مقر معظمها في دولة لبنان، من بينها صفحة تحمل اسم (Brainy Academy - Brainy Kids) والتي تعرف عن نفسها أنها متخصصة بـ "التنمية البشرية، المهارات الحياتية، نظام الحساب الذهني، الروبوتات، الصحة النفسية، البرامج التعليمية الأخرى للبالغين والمراهقين والأطفال".
ثالثاً- التواصل مع مصادر مرتبطة:
تتيح الصفحة المشار إليها خاصية مراسلة القائمين عليها عبر تطبيق الدردشة (واتسأب)، وجرى التواصل مع رقم يحمل مفتاح دولة لبنان عرف عن نفسه بأنه السيد "محمد سويد" ممثل شركة (ACIDA) الجهة المنظمة للمسابقة في لبنان ومدير شركة (Brainy Kids) اللبنانية.
الجهة المنظمة:
وخلاصة إفادة السيد "سويد" هي أن الشركة المُنظِّمة اسمها Abacus Culture International Development Association Limited وتُعرِّف عن نفسها اختصارا بـ ACIDA، ويدير الشركة الصيني (ما يانك بينغ)، وهي شركة ربحية مرخصة في هونغ كونغ.
وتعد هونغ كونغ من أفضل الأماكن لإنشاء شركة نظراً للشروط الميسرة وكونها تتمتع بنظام ضريبي مناسب وغيرها من المزايا التي جعلت اقتصادها أكثر الاقتصادات حرية وفقا لمؤشر الحرية الاقتصادية.
وبحثنا في المواقع التي تقدم خدمات تأسيس شركة في هونغ كونغ، وتبين أن هناك خمسة أنواع للشركات الممكن تسجليها هناك، أحدها شركة مساهمة محدودة، مثل شركة ACIDA ويكتفي من يريد مثل هذا الترخيص تقديم وثائق مثل استمارة تأسيس وهوية المؤسسين ودفع رسوم رمزية ولاحقا فتح حساب مصرفي.
اعتمادا على أحد مواقع البيانات المفتوحة للشركات يوجد الترخيص للشركة المذكورة أعلاه، والذي يحدّث البيانات المتعلقة بهونغ كونغ اعتمادا على موقع حكومي متخصص بالشركات المُرخصة في هونغ كونغ، ويتضح فيه أن شركة (ACIDA) جرى تسجيلها قبل نحو ثلاثة أعوام وهناك نشاط واحد فقط وهو تأسيس الشركة.
مدير الشركة الصيني (ما يانك بينغ) تصفحنا حسابه في الفيسبوك ولا يوجد ما يوحي أن شركته الحديثة لها خبرة تنظيمية في نشاطات تتعلق بالحساب الذهني، وأرسلنا له نستفسر عن طبيعة نشاط شركته، والمسابقة، وآليات الإعلان والتسجيل والتحكيم، لكن دون رد حتى الآن.
المشاركة مأجورة:
اللافت أن المسابقة المذكورة تستوجب على المشاركين فيها دفع مبلغ قيمته 23 دولاراً أمريكياً لكل مشارك، وذلك وفق تصريح ممثل الشركة الصينية في لبنان (محمد سويد)، والتحويل إلى بنك في الصين لا في هونغ مكان الترخيص، وأدناه تفاصيل الحساب البنكي الذي توصلنا إليه من منشور في حساب رئيس الشركة الصيني على (فيسبوك).
وبناء على تصريحات ممثل الشركة الصينية في لبنان، نستنتج أن إجمالي المبالغ التي جمعت من رسوم المشاركين في المسابقة بلغ 140.622 دولار أميركي، نظراً إلى أن عدد المشاركين بلغ 6114 مشارك، وفي المقابل تمنح الشركة جوائزها كشهادات إلكترونية / ورقية لا أكثر، مع حسومات خاصة لرسوم التدريب في المراكز المعتمدة التي تمثل الشركة الصينية وفق ما أشار إليه (سويد).
هل هناك فعلا فائز واحد في المركز الأول، وهل تُعطى الجائزة الكبرى له وحده؟
توجهنا بهذا السؤال لممثل الشركة الصينية في لبنان السيد (محمد سويد) وأجاب قائلاً: "حصل على الجائزة الكبرى 268 مشاركاً، وزودنا بصورة لعينة من الفائزين بالجائزة الكبرى، وتبين أن السورية سارة كيالي ترتيبها هو 23، إضافة إلى أن المراكز الأربعة الأولى وزعت على نحو 1500 مشارك من أصل 6114.
مسابقة عالمية!
ورداً على سؤال منصة (تأكد) لممثل الجهة المنظمة في لبنان بشأن الجهات المُشرفة على المسابقة قال إن الإشراف يكون فقط من قبل الشركة الصينية التي تضم كوادر تربويين متخصصين في مجال علم الحساب الذهني، وفق قوله، نافيا وجود اتحاد رسمي دولي متخصص بالإشراف أو بتنظيم مثل هكذا مسابقات.
كأس العالم للحساب الذهني
توسعنا في البحث عن مسابقات الحساب الذهني باستخدام محرك البحث (غوغل)، وحصلنا على عدة نتائج مرتبطة أبرزها ما نُشر على الموسوعة الرقمية (ويكيبيديا) حول مسابقة (كأس العالم للحساب الذهني) الذي تقول الموسوعة أنها "مسابقة دولية للحاسبات العقلية، تعقد كل عامين في ألمانيا".
وبحسب الموسوعة ذاتها -التي تسند كل معلومة فيها لمرجع واضح- فإن النسخة الأولى من المسابقة أقيمت في ألمانيا 30 تشرين الأول/أكتوبر من العام 2004 في حين ألغيت نسخة العام الحالي التي "كان من المخطط عقدها في الفترة ما بين 21 إلى 23 أغسطس 2020 في Heinz Nixdorf Museums Forum (أكبر متحف كمبيوتر في العالم) في بادربورن ، ألمانيا، وذلك بسبب جائحة كورونا وتأجيلها إلى وقت غير معلوم".
واللافت أن مسابقة كأس العالم للحساب الذهني والتي تقام في ألمانيا، وهي مسابقة معروفة بين أوساط المهتمين في هذا الشأن، يشارك فيها عدد محدود، مثل نسخة عام 2004 حيث شارك 17 شخصا من 10 بلدان، وهو أيضا ما يعيدنا إلى التساؤل بشأن حرص الشركة الصينية على انخراط أكبر عدد ممكن من المشاركين دون اللجوء مثلا إلى تصفيات فيما بينهم، وإعطاء الجائزة الكبرى والمراكز الأربعة لآلاف المشاركين، في ما يبدو أنها محاولة استرضاء.
وخلال تواصلنا مع السيد (محمد سويد) أطلعناه على هذه النتيجة، إلا أن رده كان بأن هذه المسابقة - يقصد كأس العالم للحساب الذهني- لا تعتمد على آلة المعداد فقط، وإنما تعتمد على كافة الأساليب التي يتعلمها الطالب بعلم الحساب الذهني، في حين أن مسابقتهم متخصصة للطلاب الذين يعتمدون على نمط الحساب الذهني باستخدام آلة المعداد، لافتاً إلى أن أحد طلابهم ويدعى (محمد المير) شارك في إحدى الدورات من المسابقة العالمية وحصل على المرتبة الأولى، إلا أن منصة (تأكد) لم تتمكن من التحقق من صحة ذلك لعدم ورود اسم الطالب المشار إليه في سجل الفائزين بالمراتب الأولى خلال النسخ السابقة من المسابقة على (ويكيبيديا).
متابعة:
بعد نشرنا لتقريرنا هذا عبر موقعنا ومنصاتنا مساء أمس السبت، تواصل معنا اليوم الأحد ١٣ كانون الأول/ديسمبر الجاري، السيد (محمد سويد) مدير شركة Brainy Kids اللبنانية، وممثل شركة (ACIDA) الصينية في لبنان وأرسل توضيحاً ننشره كما ورد دون أي تعديل أو تعقيب:
"قرأت مقالكم عبر صفحتكم الكريمة، وليس لديّ اعتراض على أية معلومة تم ذكرها، باستثناء المبلغ الذي حصلت عليه منظمة ACIDA، حيث أنني أوضحت لكم أن الاشتراك ومقداره ٢٣ دولار أمريكي وهو رقم صحيح، إلا أنه يشمل إلى جانب رسم الاشتراك، رسوم التحويل المصرفي وأكثر من ٥٠ ساعة تدريبية".
© جميع الحقوق محفوظة 2024 - طُور بواسطة نماء للحلول البرمجية