ملابسات حادثة طرطوس: السلطة الانتقالية تنفي وجود "...
الجمعة 03 كانون ثاني - مؤكد
عبد السلام الحموي السبت 28 كانون أول 2024
ظهر رجل في الثلاثينيات من عمره في مقابلة نشرتها الصحفية السورية يقين بيدو، المعروفة أيضًا باسم "ميرنا الحسن"، عبر منصات "يوتيوب"، "إكس"، و"فيسبوك"، تحت عنوان "أموات عادوا للحياة" من داخل "فرع فلسطين"، أحد أسوأ الأفرع الأمنية التي كانت تتبع لنظام بشار الأسد المخلوع. ادعى الرجل أنه معتقل سابق، دون أن يحدد الفترة الزمنية التي قضى فيها داخل السجن أو مدة احتجازه.
نسخة مؤرشفة من المقابلة
وعند سؤاله عن سبب عودته إلى المعتقل الذي يزعم أنه تمنى الموت داخله مرارًا، حاول الرجل جاهدًا إظهار تأثر كبير بجَبروت السجان الذي اندثر.
ورغم أن هذه اللحظات هي مما لا يتمنى أحد أن يتذكرها، قدم السجين المزعوم شرحًا دقيقًا عن كيفية سحب المعتقلين من الطابق السفلي إلى الطابق العلوي في طريقهم إلى التحقيق، وكيف تبدأ عملية التعذيب، أو "الدعس" كما وصفها، منذ لحظة مناداة المطلوب باسمه في المهجع. هذه تفاصيل قد لا يتسنى لجميع من عايشوا التجربة تذكرها أو وصفها بدقة.
بحث فريق منصة "تأكد" عن هوية الشخص الظاهر في التقرير، ليتبيّن أنه يُدعى "أنس مجذوب"، من حي الميدان جنوب دمشق. كان يعمل مُخبرًا لصالح نظام الأسد المخلوع منذ عام 2012، وفقًا لشهادات أهالي الحي الذين تواصل معهم فريق المنصة.
وبحسب الأهالي، فإن "المجذوب"، المعروف بقربه من "فرع فلسطين" حيث ظهر في المقابلة، لم يكتفِ بكتابة التقارير الأمنية فقط، بل استغل نفوذه لابتزاز الأهالي، مخيّرًا إياهم بين دفع الأموال أو مواجهة اتهامات ملفقة يرفعها للأفرع الأمنية التي كان على صلة وثيقة بها.
ساهم "المجذوب" في اعتقال العشرات من أبناء الحي، بعضهم قُتل تحت التعذيب، بينما نجا آخرون بدفع رشاوى. كما أُطلق سراح البعض مؤخرًا خلال ليلة سقوط النظام وإطلاق المعتقلين، وفق شهادات وثّقها فريق "تأكد" من ناشطين ومعتقلين سابقين بسبب تقارير "المجذوب"، مع الامتناع عن نشرها حفاظًا على أمن المعنيين الشخصي.
أكد "ي.ي"، وهو معتقل سابق طلب عدم الكشف عن اسمه، أن ضابطًا في "فرع فلسطين" جمعه بـ"المجذوب" وأخبره أن الأخير نقل معلومات عن مشاركته في المظاهرات لقاء رشوة مالية. في اللقاء ذاته، أخبر الضابط "المجذوب" أن التهم الموجهة لـ"ي.ي" لم تثبت وأنه سيتم الإفراج عنه.
ذكر الناشط عمر الميداني اسمين، مازن خباز ومؤمن قيصر، كضحيتين استشهدا تحت التعذيب نتيجة تقارير "المجذوب"، وهو ما أكده شاهد آخر. ومع ذلك، لم يتمكن فريق "تأكد" من العثور على شهادات وفاة رسمية لهما في المصادر المفتوحة.
لاحظ فريق "تأكد" خلال تحليل المقابلة وجود سواد على يدي "المجذوب"، مما يثير شكوكًا حول احتمال تواجده في الفرع لحرق أو البحث في وثائق مُتلفة.
تواصل فريق "تأكد" مع الصحفية يقين بيدو التي أجرت المقابلة مع "المجذوب" وسألها كيف وصلت إلى هذا الشخص، وأوضحت أنه كان ضمن مجموعة من المدنيين الذين تواجدوا في "فرع فلسطين" الذي وصلت إليه مع عدد من الإعلاميين والصحفيين بهدف التصوير والتغطية الصحفية.
وأضافت أن "المجذوب" قال لها إنه زار الفرع في وقت سابق قبل اعتقاله للاستفسار عن امرأة مسجونة دون توضيح صلة قرابته بها. كما أفاد أنه استُدعي لاحقًا للتحقيق معه، مما أدى إلى اعتقاله، دون تحديد المدة الزمنية.
وأكدت يقين ما لحظه فريق منصة تأكد بأن "المجذوب" كان يحمل آثار بقع سوداء على يديه، مضيفة أنه تفقد معظم الزنازين أثناء وجودها في الموقع.
بعد نشر التحقيق، تلقينا رسالة عبر الموقع من إبراهيم المجذوب، شقيق أنس المجذوب، يطلب فيها التواصل لتقديم معلومات إضافية. وفي مكالمة مسجلة مع معدّ التحقيق، أكد إبراهيم تورط شقيقه في الإبلاغ عن النشطاء المعارضين للمخابرات التابعة لنظام بشار الأسد المخلوع، وكذلك في ابتزاز أهالي الحي. لكنه نفى تورط شقيقه في الإبلاغ عن الشخصين المذكورين في تحقيقنا.
وأشار إبراهيم إلى أن قوة تابعة للقيادة العامة اعتقلت شقيقه قبل ثلاثة أيام من منزله، لكنها أطلقت سراحه لاحقًا في اليوم نفسه بسبب عدم توفر أدلة تدينه، وتلقيه تزكية من داخل الهيئة حسب وصفه. وحرصًا على مبادئ العمل الصحفي، ننشر هذا الرد كما ورد.
رسالة صوتية أرسلت إلى منصة "تأكد" من قبل إبراهيم المجذوب بتاريخ 28 ديسمبر نرفقها كما وردت
في وقت لاحق، تواصل معنا الشاهد الذي استند إليه التحقيق، وأبلغنا بخبر إطلاق سراح المجذوب. كما طلب حذف التسجيلات الصوتية المرفقة بالتحقيق، خشية أن يتم التعرف عليه مما قد يعرضه أو عائلته للخطر، في ظل الفوضى وانعدام الاستقرار الأمني المستمر منذ سقوط نظام الأسد المخلوع.
استجابةً لهذه المخاوف، حذفت منصة "تأكد" التسجيلات الصوتية من التحقيق، مع الاحتفاظ بجميع الأدلة المتوفرة لتقديمها إلى أي محكمة تشكل مستقبلاً في إطار السعي لتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين في انتهاك حقوق السوريين.
تؤكد "تأكد" أن دورها يقتصر على تقصي الحقائق ومحاربة التضليل، وأن المسار القضائي هو من اختصاص أصحاب الحقوق والمتضررين.
بتاريخ 1 كانون الثاني/يناير، تلقت منصة "تأكد" بياناً رسمياً من عائلة أنس مجذوب ينفي جميع الاتهامات التي وردت في التحقيق الذي نشرته المنصة. ووفقاً لمبادئ العمل الصحفي، تلتزم المنصة بنشر البيان التوضيحي للعائلة دون أي تعديل أو إضافة أو تعليق. كما تؤكد أن قضية مجذوب والاتهامات الموجهة ضده هي تحت نظر السلطات المعنية في سوريا، وهي الجهة الوحيدة المخولة بإصدار أي حكم في هذا الصدد.
وفي هذا السياق، تود منصة "تأكد" أن تشير إلى أنها تحتفظ بجميع الشهادات الأخرى المتعلقة بالقضية، التي لم يتم نشرها لأسباب تتعلق بحماية سلامة الشهود. وقد أكد هؤلاء الشهود استعدادهم لتقديم شهاداتهم للسلطات المعنية ورفع قضايا قانونية ضد مجذوب في القريب العاجل.
البيان
بسم الله الرحمن الرحيم
في بيان رسمي مني شخصيًا ومن عائلتي، أنا إبراهيم عبدالله مجذوب، يحزنني ما نُسب لأخي من أكاذيب وأقاويل وافتراءات. وهو أحد الأشخاص الذين، بشرف ونخوة، كانوا عونًا وجزءًا من الجيش الحر والثورة السورية.
أوضح الشبهات وأرد على التساؤلات، وأيضًا على المحرّضين وأصحاب الفتن والمصالح الخبيثة، بخصوص ما نُشر عن أخي [أنس عبدالله مجذوب]. فأخي له فضل، بحول الله وقوته، لا ينكره حرّ شريف، أثناء مساعدته أهلنا في الغوطة الشرقية في زمن الحصار عليهم من قبل النظام المجرم المخلوع، وتهريب الدواء والعلاج للجيش الحر ولأهالي الغوطة الشرقية من دمشق على حساب دمه وروحه.
يوجد أهالٍ من الغوطة وأعضاء من جيشنا الحر يشهدون له بذلك، وموجودون في سوريا أحياء يُرزقون. وهذا كان بعلم والدي ووالدتي. كما كان أخي أنس يتظاهر بادّعائه بأنه مع النظام المخلوع للتخفي والاختباء من العواينية أو المخبرين لدى النظام المخلوع المنتشرين بكثرة في حي الميدان خاصة ودمشق عامة. وهذا أيضًا بعلم والدي ووالدتي.
وأيضًا، هذا الغطاء كان مفيدًا لأخي من أجل مساعدة أهالي المعتقلين بمعرفة مكان وجود ذويهم وأولادهم وأقربائهم، وفي أي فروع يقبعون، وبماذا يُتهمون، وإمكانية رشوة ضباط الفروع للنظام المخلوع لإخلاء سبيل معتقلين لديهم. وكسوريين، نعلم بأن: “بين كل مخبر ومخبر يوجد مخبر”.
كما أن أخي قُبض عليه على إثر بسالته بتهريب الدواء للغوطة، واعتُقل وسُجن في ثلاثة فروع أمنية وفي سجن صيدنايا. ولم يكن في المقطع المنتشر يُمثل ويلعب دور الضحية، بل كان ضحية ومعتقلًا في ذلك الفرع. وهذا يمكن التأكد منه بسهولة من قبل الجهات المختصة.
وبفضل الله، تمكن والدي ووالدتي من إخفاء الدليل الذي قد يدينه للنظام المخلوع بخصوص تهريبه للدواء للجيش الحر ولأهالي المحاصرين. وإن شاء الله، ستذكر أمي هذا للهيئة بعد انتهائها من العِدة الشرعية المترتبة عليها بعد وفاة والدي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
وأضيف بخصوص التسجيل الذي نُشر بصوتي: كان أول رسالة أرسلتها لمنصة (تأكد) للفت انتباههم، ولكي يتواصلوا معي بشكل عاجل وبمحمل الجد. وكنت ذكرت فيه: “بأني لا أنكر ولكن لدي ما أضيفه وأكذب الشاهد الذي يسمي نفسه (عمر ميداني) بشهادته الزور على أخي بخصوص مقتل صديقي طفولتي وشبابي وجيراني في الحارة، المرحومين بإذن الله (مازن خبازة ومؤمن قيصر)، تحت التعذيب بسبب تقرير كتبه أخي أنس كما ادّعى عمر ميداني ونُشر على المنصة نفسها”.
وبعدها بساعات قليلة، قام أحد الأعضاء التابعين للمنصة بالتواصل معي هاتفيًا. وقمت بالشرح والتوضيح خلال المكالمة، وتوضيح بأني مغترب عن سوريا منذ عام 2013 حتى اللحظة.
وبخصوص التقارير وكتابتها، أوضحت أنه في حال أن البعض من المدعين يقولون هذا، فإني لا أدري صحته، ولا أنفي ولا أثبت، إذ ليس لدي دليل عن التقارير المزعومة. ولكن وإن وُجدت، فإني على ثقة وعلم بأنها تقارير شخصية بأحقاد شخصية بينه وبين رفاقه بسبب مشاكل تافهة لا علاقة لها بثورتنا العريقة وجيشنا الحر الباسل.
وأيضًا، أرفقت تسجيلات صوتية لوالدي يتحدث فيها عن النظام المخلوع، ليثبت موقف عائلتي جميعها من هكذا نظام. وأرسلت للصحفي الذي تحدث معي صفحات شخصية لأصدقائي الذين كانوا معتقلين مع مازن خبازة رحمه الله في نفس المعتقل ولنفس السبب، وما زالوا بفضل الله أحياء يُرزقون.
ومنهم والده (أبو مازن خبازة) الذي ما زال يقيم في داره في الميدان حيًّا يُرزق، ويمكن لأي شخص أن يتواصل معه ويستفسر منه. كما أنني أثبت أن اعتقال مؤمن قيصر رحمه الله يستحيل أن يربط أخي أنس به صلة.
وبعد تواصل منصة (تأكد) مع الشهود، قاموا بحذف تسجيلات صوت الشاهد الكاذب، والذي أظن أن لديه أحقادًا شخصية أو أنه مخبر سابق (عوايني) ويريد أن يُبعد عنه الشبهات بلصقها بأنس مجذوب.
وتحدثت عن موقف أخي من هكذا نظام مجرم، وعن مساعدته للجيش الحر واعتقاله في ثلاث فروع أمنية وسجنه في صيدنايا. وأضيف بخصوص كتابة التقارير التي وُجّهت لأخي، بأن ما كان يُكتب من تقارير على أخي كلها بسبب أحقاد شخصية وعداوات شخصية بينه وبين آخرين من رفاقه بسبب قضايا تافهة (لا تخص وليس لها أي علاقة بالثورة السورية أو الثوار أو المعارضة أو الجيش الحر).
وبعد خلع النظام المجرم السابق، يوجد أناس أرادوا استغلال هذه الزعزعة الأمنية الحالية بلصق كل شيء قبيح حصل في الميدان بأخي، من سنة 2011 حتى 2024. وهذا، والله أعلم، إما أحقاد شخصية أو محاولة لإخفاء قبحهم وجرائمهم بلصقها جميعها بأخي، حتى لا يتم كشف هويتهم بأنهم كانوا مخبرين لدى النظام السابق.
أي أنهم وجدوا أخي كبش فداء لجرائمهم وستارًا يخفون وجوههم القبيحة خلفه. وقاموا باستخدام صفحات وهمية وصفحات شخصية وصفحات أقربائهم وذويهم لنشر الكذب والفتن والاختباء وراء منشوراتهم.
لكن، وبحول الله وقوته، ستسقط الأقنعة، وتُكشف وجوههم القبيحة، وسيُحاسبون علنًا وقانونًا وشرعًا. وكل من شهّر بأخي أنس مجذوب واتهمه بغير ثبوت ودليل سيُحاسب بالقانون والشرع والدستور.
أما أخيرًا وليس آخرًا، أريد شكر هذه المنصة، منصة (تأكد)، والعاملين فيها وإدارتها، لسعيهم المستمر والدؤوب للحقيقة وإظهارها وطمس الباطل بالحق.
© جميع الحقوق محفوظة 2025 - طُور بواسطة نماء للحلول البرمجية