سياسة جس النبض... هكذا تختبر الدولة السورية الجديدة رد فعل الشارع

عبدالعزيز الخليفة
calendar_month
نشر: 2025-04-22 , 7:21 م
edit
تعديل: 2025-04-23 , 9:26 ص

منذ إسقاط نظام الأسد الهارب في 8 كانون الأول/ديسمبر، وتولي حكومة تصريف الأعمال برئاسة محمد البشير إدارة البلاد في اليوم التالي، مرورًا بالمراحل اللاحقة وحتى اليوم، برز نمط متكرر في أسلوب الحكم لا يمكن تفسيره فقط بغياب وسائل الإعلام الرسمية، التي بدأت بالعودة التدريجية إلى العمل، بل يبدو أنه يمثل نهجًا حكوميًا متعمدًا.

هذا النهج يتمثل في إصدار قرارات أو تسريبات بشكل غير رسمي، ما يتيح للحكومة فرصة التراجع عنها، أو على الأقل التنصل من تبعاتها، في حال واجهت رفضًا شعبيًا، فيما بات يُطلق عليه السوريون اسم "سياسة جسّ النبض".

ومن خلال هذا التقرير، تستعرض منصة تأكد أبرز القرارات التي صدرت ثم تم التراجع عنها، أو التنصل منها، أو حتى تجاهل التعليق عليها.

تعيين متحدث رسمي

تناقلت وسائل إعلام سورية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2024 خبر تعيين الإعلامي محمد الفيصل متحدثًا باسم الحكومة السورية المؤقتة، وحصلت حينها منصة تأكد على تصريحات رسمية تؤكد صحة الخبر.

لكن الفيصل نفى خبر التعيين رسميًا عبر حسابه في "تيليغرام" بتاريخ 24 كانون الثاني/يناير، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على تداول الخبر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

إعادة تعيين وزيرة الثقافة في آخر حكومات نظام الأسد

نشرت وسائل إعلام عربية ومحلية، ومواقع التواصل الاجتماعي، في كانون الثاني/يناير الماضي، خبر إعادة تعيين ديالا بركات وزيرةً للثقافة في حكومة أحمد البشير، وهو المنصب الذي شغلته في حكومة محمد غازي الجلالي، آخر حكومات النظام المخلوع.

وفي 23 كانون الثاني/يناير، وردت رسالة من مديرية العلاقات العامة في وزارة الإعلام إلى منصة (تأكد)، تراجعت فيها عن تأكيدها السابق لهذا التعيين، وأكدت عدم تكليف أي شخص بحقيبة وزارة الثقافة بشكل رسمي، وأن المنصب لا يزال شاغرًا حتى تلك اللحظة، ووصفت التأكيد السابق بشأن إعادة تعيين الدكتورة ديالا بركات بأنه "خطأ"، دون توضيح ملابسات ذلك.

لكن في 30 كانون الثاني/يناير، وبعد أيام من النفي الرسمي، ذكر الممثل السوري قاسم ملحو في منشور على "فيسبوك" أنهم تواصلوا مع وزيرة الثقافة، واتفقوا على تشكيل مجلس مؤقت لإدارة نقابة الفنانين، ما كشف أن ديالا بركات كانت لا تزال على رأس الوزارة، وأن المنصب لم يكن شاغرًا.

مرفأ طرطوس

في 21 كانون الثاني/يناير، أكد مكتب العلاقات في وزارة الإعلام السورية، في تصريح خاص لمنصة (تأكد)، صحة التقارير المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تفيد بأن الهيئة العامة لمرفأ طرطوس ألغت عقد الاستثمار مع الشركة الروسية وطالبتها بمغادرة الميناء. كما أكد صحة التصريح المنسوب لمدير جمارك طرطوس، والذي يشير إلى أن الاتفاقية مع الشركة الروسية لاستثمار مرفأ طرطوس قد أُلغيت.

لكن ديمتري تريفونوف، الرئيس التنفيذي لشركة "إس.تي.جي" للهندسة، ومقرها موسكو، صرّح لوكالة "رويترز" في 28 شباط/فبراير أن شركته لا تزال تدير الميناء، ولم تُبلغ بإلغاء العقد، مشيرًا إلى أن مثل هذه العملية، إن حدثت، ستكون طويلة ومعقدة من الناحية البيروقراطية.

ترفيع قادة فصائل "الجيش الوطني"

ضمن النهج ذاته، لوحظت ترفيعات غير معلنة رسميًا لقادة في الفصائل العسكرية التي كانت تنضوي تحت اسم (الجيش الوطني السوري) قبل إسقاط النظام، ومنهم القائد محمد جاسم، المعروف شعبيًا بـ(أبو عمشة)، قائد "فرقة السلطان سليمان شاه"، حيث رُفّع إلى رتبة عميد في "الجيش السوري الجديد"، وعُيّن قائدًا للفرقة 25 التي تتمركز في محافظة حماة.

كما يُعرّف الجاسم نفسه على أنه يحمل رتبة عميد في "الجيش السوري الجديد"، بحسب حسابه الشخصي على منصة "إكس".

كذلك، بدأ سيف الدين بولاد، قائد "فرقة الحمزة"، منذ آذار/مارس الماضي، بتعريف نفسه في بيان على منصة "إكس" كقائد للفرقة 76 في "الجيش السوري الجديد"، موجهًا الشكر للرئيس الانتقالي أحمد الشرع ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة على منحه رتبة عميد.

ولم يُنشر في حساب رئاسة الجمهورية العربية السورية على "تيليغرام"، ولا في معرفات وزارة الدفاع، أي تصريح أو خبر رسمي يؤكد ترفيع محمد الجاسم أو سيف الدين بولاد، كما لم يصدر نفي رسمي من أي جهة. علمًا أن قرارات الترفيع الرسمية المعلنة، والتي نُشرت على قناة "القيادة العامة" على تيليغرام — والتي أصبح اسمها لاحقًا "رئاسة الجمهورية العربية السورية" — كانت بتاريخ 29 و31 كانون الأول/ديسمبر 2024.

ووصفت رئاسة الجمهورية في حينه قائمة الأسماء بـ"النشرة الأولى"، والتي تبيّن لاحقًا — من خلال تصريحات نقلتها وكالة "رويترز" — أنها تضم أسماء لمقاتلين أجانب دُمجوا ضمن القوات المسلحة الجديدة.

فقد نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين سوريين تأكيدهما أن حكّام سوريا الجدد دمجوا عددًا من المقاتلين الأجانب، من بينهم أفراد من الإيغور، بالإضافة إلى أردني وتركي، ضمن تشكيلات الجيش الجديد. وبحسب المصادر، حصل ما لا يقل عن 6 أجانب على مناصب عسكرية من أصل نحو 50 وظيفة جديدة تم استحداثها. واعتبر مصدر في هيئة تحرير الشام أن هذه الخطوة تحمل طابعًا رمزيًا، تقديرًا لتضحيات "الجهاديين" في القتال ضد نظام الأسد، إلا أن كافة المعلومات التي نشرتها الوكالة لم تلق تعليق أو توضيح رسمي.

فصل الجنسين في حافلات مشفى المواساة

أصدر مدير عام مشفى المواساة الجامعي، الدكتور أمين عبد اللطيف سليمان، يوم الأربعاء 16 نيسان/أبريل الجاري، قرارًا يقضي بفصل الرجال عن النساء ضمن حافلات المبيت الخاصة بالمشفى، بحيث يجلس الرجال في المقاعد الأمامية، والنساء في الخلفية، بغض النظر عن صفاتهم الوظيفية، وهو ما أثار جدلا واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يتم التراجع هو الآخر.

وفي تصريح لجريدة "الوطن" المحلية، يوم الأحد 20 نيسان/أبريل، قال مصدر مسؤول في المشفى: "نستغرب الضجة التي أُثيرت حول قرار داخلي خاص بالمشفى، ويتعلق بتنظيم جلوس الموظفين ضمن حافلات المبيت"، مضيفًا: "القرار تم إلغاؤه على الفور، رغم أنه جاء على خلفية إحدى المشكلات التي حصلت داخل الحافلة".

تقسيم باحة المسجد الأموي

من التصرفات التي أثارت جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، دون صدور أي تعليق رسمي، كان قرار تقسيم باحة المسجد الأموي في دمشق إلى قسمين، أحدهما مخصص للرجال، والآخر للنساء.

لاحقًا، جرى التراجع عن القرار بهدوء ومن دون أي إعلان رسمي، ما زاد من حالة الاستغراب والتساؤلات حول الجهة التي اتخذت القرار، ومن يقف خلف التراجع عنه. ونشرت منصة (تأكد) تحقيقًا مفصلًا حول الحادثة في 21 نيسان/أبريل الجاري، سلطت فيه الضوء على تفاصيل ما جرى.

وفي 22 نيسان/أبريل الجاري، أقر عصام سكر، مدير الجامع الأموي، بقرار فصل الرجال عن النساء في المسجد، وذلك وفق تقرير مصوّر لصحيفة "الشرق الأوسط"، مشيرًا إلى وجود استثناءات للمجموعات السياحية.

في ظل غياب البيانات الرسمية وتردد الجهات الحكومية في تبنّي قراراتها علنًا، بات السوريون يتعاملون مع أخبار الإدارة الجديدة بقدر كبير من الحذر. سياسة "جسّ النبض" التي تتكرر في أكثر من قطاع، قد تُقرأ كوسيلة لامتصاص الغضب أو لقياس المزاج العام، لكنها أيضًا تثير تساؤلات حول الشفافية، وثبات القرار السياسي، ومستقبل المؤسسات في سوريا الجديدة.

مواد مٌختارة

لماذا تأكد؟!

منصة تأكد منصة مستقلة وغير متحيزة متخصصة بالتحقق من الأخبار والمعلومات تأسست في سوريا أوائل عام 2016 لمواجهة انتشار المعلومات المضللة.

معتمدة من:

certified

دليل التحقق

certified

شاركنا لنتأكد

© جميع الحقوق محفوظة لمنصّة تأكّد 2025