حذّر تقرير صادر عن مركز "Atlantic Council" من تصاعد خطر التضليل الطائفي في سوريا عقب سقوط نظام الأسد، مشيرًا إلى الدور المحوري لوسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج الانقسامات المجتمعية وسط غياب إعلام رسمي موثوق. يوضح التقرير أن الاعتماد الواسع على منصات مثل فيسبوك، بعد انهيار القنوات الرسمية، خلق بيئة مثالية لتفشي الشائعات والمعلومات الزائفة.
يوثّق التقرير كيف استغلت حملات منظمة هذا الفراغ الإعلامي، وتورّطت جهات خارجية مثل إيران وإسرائيل وحزب الله في تغذية المحتوى المضلل لتعميق الاستقطاب الطائفي. كما يسلّط الضوء على دور منصات تحقق محلية مثل (تأكّد) التي واجهت هذه الحملات بمراجعة الادعاءات وتفنيد الأخبار الكاذبة، مشددًا على ضرورة دعم الإعلام المهني لمواجهة هذا التحدي وحماية الخطاب العام في سوريا الجديدة.
كشف تقرير نشره مركز "Atlantic Council" عن توقف كامل للقنوات والمؤسسات الإعلامية الرسمية السورية بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ما ترك المواطنين دون مصدر واضح للمعلومات حول الأحداث اليومية والأمنية في البلاد. تحوّل هذا الفراغ الإعلامي بشكل سريع وخطير نحو الاعتماد شبه الكامل على منصات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها منصة فيسبوك، كبديل رئيس للحصول على الأخبار ومتابعة المستجدات المحلية.
أشار التقرير إلى أن فيسبوك، الذي مثّل لسنوات الوسيلة الرئيسة للالتفاف على رقابة النظام السابقة، أصبح الآن بيئة مثالية لنشر الشائعات والمعلومات المضللة، ما أدى إلى تفاقم حالة من الخوف والتوتر الطائفي. ساهم هذا الانتشار في تشتيت فهم المواطنين السوريين للواقع الجديد بعد سقوط النظام، خصوصًا في ظل نقص واضح في التغطية الرسمية للأحداث، مما أوجد حالة ارتباك واسعة.
في السياق ذاته، حذرت منصة (تأكّد) مبكرًا من مخاطر هذه الحالة الجديدة، موثقة عشرات الحالات التي استُغلت فيها وسائل التواصل لنشر أخبار كاذبة تهدف إلى بث الفتنة والانقسام الطائفي. وشددت المنصة على أن استمرار هذا الفراغ الإعلامي من شأنه تعميق الانقسامات بين السوريين، وتهيئة الأجواء أمام استغلال الوضع من أطراف محلية وخارجية لإثارة النعرات الطائفية وزيادة حالة عدم الاستقرار.
أبرز التقرير استخدام الشائعات كسلاح فعّال لتعزيز المخاوف وتغذية الانقسامات الطائفية في سوريا بعد سقوط النظام. أكدت الوقائع الميدانية أن مناطق الساحل السوري، وخاصة ذات الأغلبية العلوية، تأثرت بشكل كبير من انتشار ادعاءات مضللة عن وقوع مجازر وأعمال انتقامية بحق سكانها. استغلّ مروجو هذه الأخبار حالة الغموض والقلق، مما تسبب في نشر الذعر وعدم الثقة بين المجتمعات المحلية.
من أبرز الشائعات التي انتشرت بقوة، ادعاء عودة ماهر الأسد إلى الساحل بدعم روسي، والذي فندته منصة (تأكّد) بشكل دقيق في تقرير حمل عنوان "هل خدع يوتيوبر مؤيدي النظام المخلوع؟". كشف التقرير بوضوح كيف استخدمت بعض الأطراف منشورات ساخرة أو مضللة كحقائق مؤكدة بهدف إثارة البلبلة، وكيف جرى تداولها بشكل واسع وسريع من حسابات ذات جمهور كبير.
رصدت منصة (تأكّد) مبكرًا تأثير هذه الشائعات وخطورتها، مؤكدةً أنها لم تكن مجرد معلومات خاطئة تنتشر عفويًا، بل أدوات مدروسة استُخدمت ضمن حملات ممنهجة لبث الانقسام الطائفي والتأثير في وعي الشارع السوري. لم تقتصر آثار هذه الشائعات على الفضاء الرقمي، بل امتدت إلى الحياة اليومية، حيث ساهمت في خلق حالة من التوجس بين مكونات المجتمع، وأدت إلى عزلة بعض المناطق، وتعطيل محاولات السلم الاهلي بعد أحداث الساحل السوري.
أشار التقرير إلى تورّط أطراف إقليمية ودولية في حملات تضليل واسعة النطاق، استهدفت السوريين عبر منصات التواصل الاجتماعي، بهدف تعزيز الانقسامات الطائفية والسياسية بعد سقوط نظام الأسد. كشف التقرير كيف استغلت قوى خارجية مثل إيران وإسرائيل وحزب الله الظروف الإعلامية الهشة في سوريا لنشر أخبار مضللة وشائعات طائفية، ساهمت في تمزيق النسيج الاجتماعي، وإضعاف الثقة بين مكونات المجتمع.
أكدت منصة (تأكّد) في تقرير سبق سقوط الأسد بعنوان "نشاط جديد لحملة رقمية مشبوهة تستهدف المحتوى السوري.. من يقف وراءها؟" تورط جهات مرتبطة بنظام الأسد المخلوع وروسيا في حملات ممنهجة استهدفت المحتوى السوري على منصات التواصل الاجتماعي، عبر حذف مقاطع فيديو توثّق تحسّن الظروف الأمنية والمعيشية في المناطق السورية المحررة، باستخدام ذرائع مثل انتهاك حقوق الملكية الفكرية. وأشارت المنصة إلى قيام هذه الجهات بانتحال أسماء مؤسسات إعلامية رسمية كوزارة الإعلام السورية وإذاعة "شام أف أم"، بهدف تقليل الوصول إلى محتوى إعلامي إيجابي يُظهر التحسن في الأوضاع.
ورصدت (تأكّد) أيضًا في تحقيقاتها السابقة تكرار هذه الأنشطة في الفترة ما بعد سقوط نظام الأسد، مؤكدة استمرار هذه الحملات لغاية تتجاوز حجب الواقع المعاش، إلى زرع الشك والارتباك بين السوريين وتفتيت السرديات المجتمعية عبر التضليل المنظّم. وبيّنت المنصة كيف عمدت هذه الحملات إلى خلق روايات متناقضة حول الأحداث الجارية، مما زاد من حالة التشتت والارتباك بين السوريين، داعية إلى ضرورة مواجهة هذه الحملات عبر تعزيز دور الإعلام المهني ومنصات التحقق المستقلة.
وثّقت منصة (تأكّد) منذ الأيام الأولى لانهيار نظام الأسد محاولات متعددة لتزييف الحقائق والترويج لشائعات تهدف إلى تعميق الخلافات والانقسامات بين السوريين. استند عمل المنصة إلى أدوات تحقق متطورة وجهود ميدانية مكثّفة لتفنيد الأخبار الكاذبة، وتقديم معلومات دقيقة ومثبتة للجمهور السوري.
من أمثلة ما رصدته المنصة ونشرته في تحقيقات مفصلة، صورة انتشرت بشكل واسع زُعم أنها تُظهر عرض "سبايا أيزيديات في إدلب"، ليتبيّن بعد التحقق أنها صورة قديمة التقطت في مصر عام 2013. كما أوضحت (تأكّد) حقيقة فيديو متداول على أنه يُظهر اعتداء مدرّس على طالب بسبب طائفته في ريف دمشق، إذ أثبتت التحقيقات أنه مصوّر في إيران وليس في سوريا.
كذلك عملت المنصة على دحض شائعات متعلقة بأحداث أمنية حساسة، مثل صور ادُّعي أنها تظهر جثثًا متراكمة على الساحل السوري بعد مجزرة طائفية، وتمكنت (تأكّد) من إثبات أنها تعود لجنازة عناصر أمنية في إدلب. هذه الجهود وغيرها أبرزت الدور الحيوي للمنصة في تعزيز وعي الجمهور السوري بخطورة التضليل، وضرورة التحقق من المصادر قبل تداول الأخبار.
اختُتم تقرير "Atlantic Council" بتقديم مجموعة من التوصيات التي لم تكتفِ برصد الفجوة المعلوماتية، بل تنبّه إلى خطورتها في تشكيل وعي الجمهور السوري، وتدعو إلى بناء بيئة إعلامية مسؤولة تقاوم التضليل وتحد من تلاعب الفاعلين المحليين والخارجيين بالرأي العام. من أبرز ما يوصي به التقرير هو ضرورة دعم الإعلام المهني المستقل، وتعزيز أدوات التحقق المحلية، إلى جانب رفع الوعي المجتمعي بأهمية السياق، ومخاطر التحريض العاطفي.
في هذا السياق، تُبرز منصة (تأكّد) رؤية متكاملة لمواجهة التضليل، مستندة إلى تحقيقات ميدانية وتحليلات معمّقة، كما ورد في تقريرها الأخير بعنوان "كيف نواجه التضليل خلال الصراع؟"، حيث شرحت كيف يمكن لمنشورٍ واحد مجتزأ أو مقطع صوتي مشبوه أن يُشعل اشتباكًا مسلحًا، إذا ما وُضع في سياق طائفي مشحون، كما حدث في ريف دمشق بداية العام. ولفت التقرير إلى أهمية التعامل مع الخبر بوصفه عملية نقدية تبدأ بالسؤال: من نشر؟ متى؟ ولأي غرض؟
كما دعت (تأكّد) إلى إنشاء شبكات تواصل أكثر فعالية بين الجهات الرسمية المحلية والإعلام المستقل، وتوفير حماية قانونية وتقنية للمنصات الإعلامية من الحملات الرقمية المضللة التي تهدد استقرار المجتمع السوري. وأشارت إلى أن مكافحة التضليل ليست مهمة الإعلام وحده، بل هي مسؤولية مشتركة بين المؤسسات الإعلامية، ومنصات التحقق، والمجتمع المدني، والجمهور العام الذي يجب عليه التحلي بالوعي واليقظة تجاه الأخبار المتداولة.
سلط تقرير "Atlantic Council" الضوء على أحد أخطر التحديات التي تواجه المجتمع السوري في المرحلة الانتقالية: الفراغ المعلوماتي وتحوّله إلى بيئة خصبة لحملات التضليل، سواء من أطراف محلية أو فاعلين خارجيين. ويُظهر التقرير أن انهيار الإعلام الرسمي لم يؤدِّ إلى انفتاح إعلامي، بل إلى انتشار الشائعات، وتفكك الروايات، وغياب المصدر الموثوق للمعلومة، ما ساهم في تعميق الانقسامات الطائفية والسياسية.
ضمن هذا السياق، برزت مبادرات محلية مثل منصة (تأكّد) التي عملت على رصد الادعاءات المتداولة والتحقق منها، لتقليص أثر الشائعات وكشف المحتوى المضلل في بيئة يندر فيها التحقق المستقل. ورغم أن هذه الجهود لا تُغني عن الحاجة لإعلام مهني ومفتوح، إلا أنها تُشكّل مساهمة عملية في بناء وعي نقدي وتعزيز ثقافة المساءلة تجاه مصادر المعلومات. تحقيق بيئة إعلامية سليمة في سوريا المستقبل لن يكون ممكنًا دون ضمان التعددية، واستقلالية الصحافة، ودعم مؤسسات التحقق، كمكونات أساسية في أي تحول ديمقراطي.