ما حقيقة الخلاف بين الفصائل المدعومة من تركيا والق...
الثلاثاء 17 كانون أول - احتيال
تداولت العديد من المواقع الإخبارية، بينها فضائيات وصحف معروفة، خبراً يدعي أن فرنسا سوف تحظر الذبح الحلال في البلاد اعتباراً من تموز/يوليو المقبل، إلا أن هذا التحقيق يثبت أن الادعاء مضلل وغير مستند إلى دليل حقيقي.
فريق التحرير الاثنين 29 آذار 2021
الادعاء
تداولت العديد من المواقع الإخبارية، بينها فضائيات وصحف معروفة، السبت 20 آذار/ مارس، خبراً يدعي أن فرنسا سوف تحظر الذبح الحلال في البلاد اعتباراً من تموز/يوليو المقبل.
واستندت المواقع التي نقلت الخبر إلى البيان الصادر عن كبرى المساجد في فرنسا -مساجد باريس وليون وإيفري- والذي ذكر أن الحكومة الفرنسية اعتمدت شروطاً جديدة لذبح الدواجن تجعل من غير الممكن احترام المبادئ العقائدية لطقوس الذبح الحلال اعتباراً من تموز/يوليو المقبل. واعتبر البيان أن هذا القرار "كارثي" وهو "رسالة سيئة توجهها الحكومة الفرنسية للجالية المسلمة عشيّة حلول رمضان".
التحقيق
بعد الجدل الذي أحدثه هذا الادعاء، نفت وزارة الزراعة والأغذية الفرنسية حظر الذبح الشعائري للدواجن أو ما يعرف بالذبح الحلال، وقالت في بيان صحفي لها يوم الجمعة 28 آذار/مارس إن موقف الحكومة الفرنسية من اللائحة الأوروبية لعام 2009 الخاصة بالتنازل عن الصعق المسبق للحيوانات في حالة الذبح الشعائري لم يتغير، وأضاف البيان أن التعميم الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي 2020 " لا يعني التشكيك في إمكانية طقوس الذبح".
ما صحة الادعاء الوارد في بيان المساجد الكبرى في فرنسا حول حظر الذبح الحلال؟
أجرى فريق (تأكد) بحثاً حول الأسباب الذي أدت لإثارة الجدل في بيان المساجد الكبرى الثلاثة في فرنسا، ولفهم موقف الجهات التي أصدرت البيان لابد من الاطلاع على أنواع ذبح الدواجن في فرنسا وفهم القوانين التي تضبط هذه العملية.
اقرأ أيضاً: هل سمحت فرنسا مؤخراً للقاصرات في سن 13 عاماً بممارسة الجنس بالتراضي؟
اقرأ أيضاً: هل أثنى ممثل فرنسا في مجلس الأمن على بشار الجعفري؟
ما هي الطرق القانونية لذبح الدواجن في فرنسا؟
تخضع عملية ذبح الحيوانات في الاتحاد الأوروبي إلى قوانين تهدف إلى الحد من معاناتها، حيث تفرض السلطات على المسالخ أو المجازر عدم قتل الحيوانات قبل صعقها كهربائياً وضمان فقدانها للوعي حتى الموت، وذلك وفقا للائحة مفصلة من التعليمات والإجراءات الفنية، ويتيح الاتحاد الأوروبي للدول الأعضاء حرية منح استثناءات تتعلق بالذبح الشعائري، والمتعلق بشكل خاص بكل من المسلمين واليهود، بحيث يُعفى من تطبيق بعض القوانين السابقة لكن بشرط أن تُنظم عملية الذبح وأن تجرى في مسالخ مرخصة.
وفي إطار القوانين الواردة أعلاه ثمة ثلاثة طرق قانونية متبعة لذبح الدواجن في فرنسا:
الأولى: الذبح التقليدي باستخدام الصعق الكهربائي والذي يتوافق مع القوانين الأوروبية، حيث تصعق الدواجن ثم تذبح مباشرة عبر آلات صناعية مخصصة لهذا الشأن.
الثانية: الذبح الحلال باستخدام صعق كهربائي مخفف، حيث تفقد الدواجن وعيها دون أن تموت ثم تذبح، وذلك بهدف تحقيق الشروط الدينية للذبح الحلال (أهمها عدم موت الدواجن قبل ذبحها).
الثالثة: الذبح الحلال بدون صعق كهربائي، وهي الطريقة المعروفة والمتبعة في البلاد الإسلامية، وتتطلب إصدار تصاريح خاصة وإجراءات فنية محددة تضمن تثبيت الحيوان قبل ذبحه للتخفيف من معاناته، وهو النوع الأقل شيوعاً والأكثر كلفة في البلاد.
لماذا اعترضت المساجد الكبرى الثلاثة فقط على القرار؟
تمنح وزارة الزراعة والأغذية الفرنسية لهذه المساجد الثلاثة -مسجد باريس الكبير ومسجد إيفري في باريس ومسجد ليون الكبير- تصريحاً يخولها منح شهادات الحلال (لصاقة على المنتج) على اللحوم المذبوحة وفق الطرق الشرعية، والتي يستهلكها المسلمون في معظم أرجاء فرنسا.
ولتلبية الحاجة الكبيرة للجالية المسلمة في البلاد -هي الأكبر في أوروبا (5-6 مليون) ويقدر اقتصاد اللحوم الحلال بنحو 5.5 مليار يورو ونسبة نمو تصل إلى 7.5 بالمئة- تتعاقد هذه المساجد مع مسالخ فرنسية كبيرة لإنتاج هذه اللحوم، وهي مسالخ تنتج لحوماً تقليدية ولحوماً حلالاً وفق معايير الذبح الحلال التي تراقبها عبر إجراء جولات تفتيشية من قبل خبراء تابعين لها لضمان شروط الحلال مقابل حصولها على نسبة من أرباح مبيعات هذه اللحوم.
ووفق الضوابط والإجراءات المتضمنة في التعميم الجديد لوزارة الزراعة والأغذية الفرنسية سيكون من المتعذر على المسالخ العمل وفق الطريقة الثانية للذبح (الذبح بالصعق الكهربائي المخفف) وهو ما يصفه بيان المساجد الثلاثة بأنه "لا يهيئ الظروف الملائمة للذبح وفق الأصول الإسلامية"، ويعتبره بالتالي بمثابة قرار بحظر الذبح الحلال، لكن البيان الصحفي الأخير لوزارة الزراعة يؤكد أن التعميم الصادر في تشرين الثاني /نوفمبر الماضي يوضح طرق التحكم في جميع أنواع ذبح الدواجن وتعقيمها و لا يلغي أو يعدل الذبح الشعائري (الحلال)، ووفق التعميم الأخير سيتعين على المساجد الثلاثة اعتباراً من تموز/يوليو القادم إجراء تعديلات فنية على خطوط الإنتاج تضمن تثبيت الدواجن عند ذبحها، وبالتالي سيترتب على شركائها الصناعيين تكاليف باهظة يُقدر بأنهم غير مستعدين للتعامل معها.
اقرأ أيضاً: قراءة أو حيازة رواية (مزرعة الحيوان) ليست جريمة في فرنسا تبجيلاً لـ (نابليون)
في المقابل، هنالك العديد من المؤسسات والجمعيات الإسلامية الأخرى التي تنتج لحوم الحلال وفق الطريقة الثالثة (الذبح على الطريقة الإسلامية التقليدية)، ويشكك القائمون على هذه المؤسسات في طريقة الذبح الثانية ومدى خضوعها للمعايير الإسلامية، ويرى هؤلاء أن طريقة الصعق الكهربائي المخفف الذي تتعرض له الدواجن -عبر تغطيسها بأحواض مائية مكهربة بدرجة خفيفة- لا تحقق الشروط الإسلامية لأن نسبة من الدواجن تموت نتيجة الصعق قبل ذبحها، وفي الوقت نفسه لا تحقق المعايير الأوروبية التي تشترط موت الدواجن تماماً قبل ذبحها لأن نسبة منها تبقى حية ولا تتأثر بالصعق الكهربائي، وذلك بحسب الحالة الصحية للدواجن، وبالتالي فإن نسبة من الدواجن تتعرض لمعاناة مضاعفة، ووفقاً لذلك تنظر هذه المؤسسات بعين الريبة للحوم التي تنتجها المساجد الثلاثة وتعتبرها أنها "حلال زائف"، و وتفتقر لكل من المعايير الإسلامية والأوروبية معاً بالرغم من ثمنها المنخفض.
انقسام بين مسلمي فرنسا
وبينما تفاعل الكثير من مسلمي فرنسا والعالم العربي مع بيان المساجد الثلاثة واعتبروه هجوماً جديداً في سياق ما يصفونه بالتضييق الذي تمارسه الحكومة الفرنسية على أداء المسلمين لشعائرهم، استنكر آخرون بيان المساجد الثلاثة واعتبروا أنه "مارس تضليلاً" على الجمهور ولاسيما الجمهور الإسلامي، وفي بيان له اعتبر الاتحاد الفرنسي للمستهلكين المسلمين أن "ذبح الدواجن الحلال في فرنسا ليس في خطر، وأن التعميم الوزاري إنما يستهدف طريقة الصعق الكهربائي المخفف"، ويضيف الاتحاد أن على الهيئات العاملة في هذا القطاع اتخاذ إجراءات أكثر صرامة فيما يخص إنتاج اللحم الحلال، موضحاً أن هذا التعميم "سيفرض على هذه الهيئات اختيار واحدة من طريقتي الذبح، إما الذبح التقليدي أو الحلال".
أعد هذا التحقيق الزميل محمد سبسبي في ختام مشاركته ببرنامج (زمالة تأكد) 2021.
© جميع الحقوق محفوظة 2024 - طُور بواسطة نماء للحلول البرمجية